ساحة الإبداع

خيال مجنون .. صبحي موسي

خيال مجنون .. صبحي موسي

فصل من رواية .. نادي المحبين

فاز الإخوان في الانتخابات وحصلوا هم وحلفاؤهم على نحو 70 بالمائة من المقاعد، كان ذلك ضربة قاصمة للتيارات المدينة، تلك التي مزقتها كثرة أحزابها، فبدت غير قادرة حتى على الوقوف كحجر عثرة في وجه التيار الديني. يومها احتفلنا بهذا الانتصار الكبير، وتبرع الأمير للمركز من جديد بمبلغ جديد، قائلاً كي نكثف دعمنا للحركة الاسلامية، وفي اليوم التالي اتصل قائلاً أنه يريد أن يعرفني على شخصية مهمة، وأبلغني أن سائقه سيمر علي ليأخذني إلى المكان، انتظرته في المركز حيث أنهيت بعض الأعمال هناك، كانت إنعام غير راضية عن الخط الذي يسير فيه المركز، لكن حين رأت الشيك الجديد لمعت عينها مطالبة بنصيبها، أخبرتها أنني سآخذها معي في أول فرصة سفر كي تتسلم نسبتها بيدها، حينها انفرجت أساريرها ونهضت لتطبع قبلة على وجهي.

حين أتى الموعد خرجت من المركز لأجد سيارة مرسيدس سوداء أمامي، تقريبا كانت نفس السيارة التي ذهبت فيها مع العلايلي إلى الفندق العملاق للقاء الأمير في المرة الأولى، وربما كانت أختها، هكذا قلت في نفسي، متوقعا أن الأولى كانت هدية منه للعلايلي، والحق أن نفسي ذهبت إليها، ولم أعرف كيف يمكنني أن أطلبها من الرجل، وهل يمكن أن يحدث ذلك، كنت أعلم أن بعض رؤساء الدول يطلبون بوضوح، يكفي أن يمتدح الواحد منهم ما في يد الأمير حتى يخلعه ويمنحه له، حسدت قدرة هؤلاء على طلب المزيد، واستسلمت لنعومة الحركة التي تسير بها السيارة كأنها تطير عن الأرض، كان الطريق طويلا بعض الشيء، ولم أشأ أن أسأل السائق عن المكان الذي سنذهب إليه، فلا ينبغي أن أفصح عن جهلي أو قلقي، فذلك سيجعله يتعامل معي كطرد ليس أكثر، فضلت أن أحتفظ بسمت المفكر صديق الأمير، ورحت أعبث في هاتفي متابعاً آخر الأخبار، رأيت أن بعضها مصدره الأناضول وليس الوكالة التي يرأسها العلايلي، وفكرت أن أتصل بالأخير لأسأله عن السبب، لكن الريبة منعتني.

كان الهدف المنشود هو فيلا تقبع خلف غابة من النخيل في المنصورية، كانت تحفة معمارية لا علاقة لها بالعالم، شعرت من كم الحراس والكلاب البوليسية أنني قد لا أتمكن من الخروج من جديد، رحت أنظر بعيني في المساحات المنزرعة من حولي محاولا تذكر الطريق، لكن حين أعياني التعب استسلمت لمصيري، ولم يفكر السائق في شرح شيء لي، كما لو أنه كان يستمتع برائحة الخوف المنبعث من جسدي.

على الباب وقف عدد من الرجال المتماثلين في الجسم والشكل، وظهر من المدخل البعيد حسن العلايلي ومجدي راسم لاستقبالي، دهشت أن العلايلي لم يخبرني بمجيئه، وفسرت الأمر بأنه ربما لم يعرف أنني سأنضم إلى اللقاء، حين وصلنا إلى الداخل رأيت الأمير وفي صحبته ناجي وجميل، كنت أعلم أن الجماعة تفكر في الدفع باسم ناجي للانتخابات الرئاسية، أو بمعنى أدق كنت أعلم إصرار ناجي على أن يخوض الانتخابات، فهو الشخصية الأقوى بعد انشقاق محمود عبد السلام عن الجماعة وتكوين حزب خاص به، بدا لي أن ذلك هزيمة للحمائم المتمسكين بالمهادنة، وانتصارا للصقور من تلامذة سيد قطب، وكان ناجي ومحمود من أبرزهم، لكن الأخير لم يكن ناجحا في إدارة الأموال، مما جعل أسهمه تتراجع لصالح ناجي الأكثر مغامرة، والراغب في إنهاء المباراة من الجولة الأولى، لذا قرر أن يرشح نفسه كي يكون الرئيس القوي القادر على تحقيق طموحات تأجلت ثمانين عاماً، وكنت أرى أن من الصعب إنهاء المباراة في جولة واحدة، قلت لناجي أن مديري البلاد لن يسلموا السلطة للجماعة، لأن ذلك يعني أن مستقبلهم في خطر.

هذه المرة كنت أتحدث بحرص شديد، فليس لدي خطط واضحة، ولا أريد أن يكتشف الجميع جثتي بعد أيام في الصحراء، لكن جميل هز بدنه الكبير ممسدا لحيته الممتلئة بالزيت قائلاً أنهم أعدوا لكل شيء عدته، تمنيت أن أسأله عن الكيفية، لكنني تراجعت، فلن يكشفوا لي أوراقهم، ولا يمكن أن أبدو متطفلا إلى حد إثارة الريبة، قلت أتمنى ألا نصطدم بقوة لا قبل لنا بها، ضحك ناجي موضحا أن اللعبة انتهت، فكل شيء أصبح في يد الجماعة، وليس أمام هذه القوة التي لا قبل لنا بها غير خطوتين كي يموت الملك أو يختنق في مكانه، ضحكت قائلا أن اختناق الملك يعني التعادل، فضحك قائلاً أنه لا يفهم في ألاعيب الكفار، لكن هناك أهداف لابد أن تتحقق.

كنا نجلس في صالون واسع أمام طبق كبير مملوءة بالفاكهة، وبينما الأمير يتابع برنامجا ترفيهيا على قناة خليجية كنا نتحدث بحماس عن السيطرة الكاملة على لجنة الدستور، قلت أن الاخوان في غضون شهرين سيطروا على البرلمان والشورى والوزارة واللجنة، وكلما عددت على أصابعي واحدة كان حليل يقهقه طالبا أن أتوقف عن العد، كي لا يصابوا بالحسد، وأنا أصر على العد مرة أخرى، بينما ناجي يجلس مقطباً جبينه غير منتبه لنا، حين سأله جميل عن سبب شروده نظر في ساعته قائلاً أنه لم يتناول شيئاً منذ الصباح، والضيف تأخر، هنالك قطعت على الأمير متعته سائلاً عن العلايلي وراسم، قال أنهما في انتظر مجيء الضيف الذي حدثتك عنه، ثم نظر إلى ساعته قائلاً أنه بالفعل تأخر، ولم أستطع أن أكبح جماح رغبتي في السؤال عن سبب المجيء إلى هذا المكان، فقد كان من الممكن لقاؤه في الفندق، لكن ناجي نظر لي بحدة كما لو أنني ارتكبت خطيئة، ولم أفهم سببا لكل هذه الحدة، واضطر جميل أن يقول أنهم لا يريدون للصحافة أن تعرف بهذا اللقاء، كدت أقول أن العلايلي يقف على الباب بنفسه، لكنني خشيت أن يقتلني ناجي، فالتزمت الصمت وتركت لهما المجال كي يثرثرا في أي شيء بعيدا عني.

 بعدها بقليل نشطت حركة في المكان، وانتفض الأمير من مقعده متجها نحو الباب ليستقبل امرأة طالما تمنيت أن ألتقي بها، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية، تلك المرأة الشهيرة على مدار عقد كامل من الزمن، انتفض جميل وناجي في استقبالها، وتأخرت قدر المستطاع كي أستوعب ما يحدث، لكنها تقدمت فسلمت على كأنها تعرفني، ولم تحتج لأن يبلغها أحد بشيء عني ولا عنهم، بينما وقف العلايلي وراسم في جانب مع معاونيها، وأشار لنا الأمير بالانتقال إلى صالة أخرى، حيث مائدة صغيرة عليها بعض زجاجات المياه والفاكهة، وحيث صالون صغير وضع بحيث تكون هي والأمير في مواجهتنا، قا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى