ثورة المدينة قصة : عادل عبدالرازق
في إجتماع صاخب ضم لفيف من المثقفين وأهل السلطة ينتقدون بشدة ما حدث وكيف تخرج المدينة عن وقارها .لم تغرد الطيور في تلك الليلة بل ظلت تصغي لهذه الحماقة العجيبة ،وأسدلت الاشجار أغصانها وجذورها تريد للامجاد التي روتها أن تستعيد وجودها أو يهطل المطر فيغسل كل الغبار الثائر في أرضها. ضجت المدينة بهذا الإجتماع ،اكتظت الساحة بكل متلهف للسماع منتظر للقرار، كل الجن سكنت في تلك الليلة الفريدة في عصرها ولم تطالع السماء احتراما لسر اكبر. ظن بعض الناس ان ثورة اهل المدينة ثورة في غير محل ،بل قال احدهم من اهل هذا العصر:” ان الانسان ليعجب من هذا التهور الغريب والمظهر الذي ظهر به اهل المدينة في قيامهم وحدهم بخلع خليفة في امكانه ان يجرد عليهم من الجيوش ما لا يمكنهم ان يقفوا في وجهه “. رد الأ خر : نريد أن نعرف لما ثارت المدينة؟ قال رجل يبدو عليه الوقار كمدرس تاريخ: “ضجت المدينة المنورة بمقتل الحسين ، واراد يزيد ان يخضع اهل المدينة لحكمه ، ولم يراع ما باهل المدينة من الفجيعة والصدمة المروعة لمقتل سيد أهل الجنة ، وحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن علي امير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهما السلام “. سكت الرجل ليري اثر حديثه ثم أكمل :”اراد ولاة دولة بني امية ، اكراه القوم على نسيان خطب الحسين فيهم ، فحملوا الى دمشق وفدا من اشراف المدينة لم يلبثوا ان عادوا اليها منكرين لحكم يزيد مجمعين على خلع بيعته وراحوا يقولون لاهل المدينة ” انا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسمر عنده الشراب ” وقف شاب وكأنه يطلع علي المشهد :”التهبت نار الثورة بالالم المكظوم لمقتل الحسين والدعوى الموصولة من الوفد فاخرج المدنيون والى يزيد وجميع من بالمدينة من الامويين ومواليهم واعلنوا خلعهم لبيعته” . بهدوء العالم اكمل المدرس حديثه :”سلط يزيد الماجن على اهل المدينة من لا يقل عنه شرا وسوءا وهو مسلمة بن عقبة المري ، واستباح المدينة ثلاثة ايام يقول ابن كثير ” من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف ” هتفت امرأة بصوت معذب يشتهي الامن : يا حسين حين اعتصمت بعلياء كرامتك ، ان تصان ولا تهان من نكرة بين الانام ، وفي خطوك نحو المجد ، ارسلت قوة البيان وثقة العقيدة وتمثلت لنا في صور من الماضي نحيا على ظلالها؛ بردائك المزدان بتاج عِمتك البيضاء، وصهيل الخيل من خلفك ،وعشيرتك تدنو منك في حب واجلال ، وصحبة ممن سمت ارواحهم وهفت نفوسهم الى الحياة الحقة هناك عند ذرى الخيال وهام السحب البيضاء . كم من حاول ان يثنيك عن الخروج ، عن بيعة كاذبة ، تخلف اصحابها عن نصرتك ، هذا ابن عمك يمحو امامك كل عقبة وينشدك السلامة والنصرة ، فما تجيب الا بعزمك على الرحيل ، وهذا من اوفدته الى مقصدك اصبح في عزلة من الانصار ، وقضي عليه وهو في اشتياق الى جرعة ماء باردة . أكان ذلك من تصريف القدر ؟ام هو الموازنة والمدارة والمناورة؟ ولكن هل انت في حاجة الى تلك الالعاب البشرية ام انك تنشد المثل الاعلى في التضحية ، كحركة الافلاك في مداراتها لا يمكن ان تنخذل لحظة عن المسير او تتوقف عن الدوران ، ام هو الموعد والقدر ؟!!! وقامت أخري هيفاء القد وعيناها تسعي من خلفها الدنيا قائلة للجمع وتخبرهم :”كيف كان ضدك ونقيضك يا حسين ؟ كعتمة الليل كان ،ضنت الحياة بمن يماثلك يا حسين فاخرجت الماجن في سيرته الطائش في حياته. اعوزه الاب الحكيم وتولاه الاب الحريص على الملك في حياته وبعد مماته . فرضه على رؤوس العباد واوصاه بما يفعل بعد الممات . دمك يتحمله كاملا وعبء اوزاره وليسئل حجر بن عدي فيما قتل. وزوجة عبد الله بن سلام فيما فرقت عن زوجها ؟ يزيد اسمك في الخلافة لا يدوم ولا يتصل الا ثلاث سنين. كيف يدوم وكور بابل شهدت ماسأة مقتل الحسين فاصبحت كربلاء . من يوصي بمحو دم الحسين من صحف هؤلاء ؟ تلقف منها الشاب الكلمة :” كأنما صاحب حرس يزيد قد اقام على رأس كل منا رجلين مع كل واحد منهما سيف ، وقال له لو ان ذهب رجل منهم (اومن بعدهم حتى يوم القيامة) يرد على كلمة بتصديق او تكذيب فليضربه بسيفهما” . خرج على الناس وارتقى المنبر ، بل حمد الله واثنى عليه وقال ” هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبرم امر دونهم ولا يقضي الاعلى مشورتهم وانهم رضوا وبايعوا ليزيد فبايعوه على اسم الله “…… فبايع الناس .