الكبيرة قصة قصيرة ” قصة منال الأخرس
الكبيرة قصة قصيرة “
لم أتوقع أبدا أن يكون هناك من يجيد تكفير ذنوب من حوله بكل هذه المهارة بل والبراعة وأشهد أنه نجح حقا في تكفير سيئات الجميع هنا !! ألستم معي ؟ ” لم يلتفت أحد لكلامه فالجميع هنا يخشى الصراحة . لقد تمكن الجبن منهم وهذا ما جعلهم يبتعدون عنه ، فهو معروف بجرأته ولا ينكر أفكاره ومعتقداته وخاصة فيما يخص ثوابت دينية استقر عليها عرفنا . يعتبره زملائي أنه إبليس ، فهو يروج لأفكار بعيدة عن الإسلام تحت لواء العلمانية وما سواه ، فهو رجعي ومتخلف ، أما أنا فأفكاره أحيانا تعجبني ، أنا لا أكرهه مثلهم وإنما أقبله وأقبل الحوار معه . وأتعجب من تصرفات زملائي ،
فالصحافة يجب على من انتمى لعالمها ألا ينظر للأمور من زاوية واحدة . لقد كان يخص بكلامه رئيس التحرير ، الذي لم يسلم أحد من أذاه في الجريدة وخارجها ولا أعلم لماذا كل هذا الغضب عليه ؟ سألته : هل قرأت المقال الأخير له ؟ نعم قرأته – هكذا بادر بالرد – قلت : ولم يغير في رأيك شيء عن رئيس التحرير ؟ ـــ ياعزيزتي ألم تعرفي بعد ؟ ألم تحددي بعد أن هناك خلل عظيم يدركه الأقدم في هذا المكان ؟ سألته: وما هذا الخلل ؟الأستاذ : هناك مسافة كبيرة بين قلمه وقلبه وهذا لا يعني شيء سوى غياب الضمير.. رددت: كيف لمن لمس بقلمه القلوب وطاف بمشاعره في أعماق المتألمين والمعذبين والمظلومين أن يفصل بينه وبين قلمه حاجز ؟ فما يخرج من القلب يصل إلى القلب ولهذا يمس حديثه ومقاله قلوب القارئين .. الأستاذ: إنه الخداع الناتج عن الحرفية الشديدة والتكلف المقنع برتوش ظاهرية وما خفي كان على النقيض . فهذه حرفة يتقنها محترفيها .. قلت: لعله انفصام نعاني منه جميعا فلم يفلت منه أحد كبر أو صغر ترى هل هناك أمل لنصبح أسوياء ؟ الأستاذ : إننا في مجتمع موبؤ بهذا المرض الجماعي اللعين ولن يكون شفاء حتى نفعل ما نقول ونقول ما نفعل ونزرع ما نأكل ونأكل ما نزرع ما نحتاجه نصنعه و … .. ..
سألته: وما المانع ؟ الأستاذ: المانع هو المسافة الشاسعة بين النظرية والتطبيق ، بين الواقع والمأمول فمتى التزمنا بأطراف المعادلة اقتربنا بواقعنا من المأمول, وتضاءلت المسافة بين النظرية والتطبيق وأصبحنا بعيدين عما يمقته الله كما قال : ” كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ” فدققي في هذه الآية لتكتشفي أننا نعاني مما حذرنا منه الله ونحصد ونجني ما زرعناه مقتا وغضبا من الله تعالى .. قلت: أشعر كثيرا أن الصحافة في واد والبلد في واد والشعب في واد والحكومة في واد والكلام شيء والأفعال شيء وأصبحت الصحافة غاية وليست وسيلة للإصلاح والتغيير للأفضل
قال الأستاذ: لقد وصلتي إلى أهم شيء فالجميع في هذا الصرح غايتهم فقط أن يحصلوا على لقب صحفي ولأجل هذا يبرر كل شيء . وغاب عنهم أهم أبجدياتها ، غاب عنهم الشرف وربما باعوه من أجلها .. لقد أصبحت الوسيلة غاية ولم تعد الغاية وسيلة فهان كل شيء وضاع كل شيء واختل كل شيء .. قلت: وأين الأمل ؟ هل الواقع المظلم يحمل في طياته الأمل ؟قال الأستاذ : ربما كان هناك أمل -ثم صمت قليلا – ولكي نعثر عليه لابد من غربلة الواقع والتمسك ببؤر النور فيه حتى نصل للأمل . ولكي يبقى الأمل يجب التشبث به وعدم التخلي عن معادلته الصحيحة والالتزام بتطبيقها حسب إرشادات نظريته الصحيحة وهي أن نقول ما نفعل أو نفعل ما نقول..