ساحة الإبداع

دقات الساعة قصة عزة مصطفى عبد العال

 دقات الساعة  قصة عزة مصطفى عبد العال

 دقت الساعة السادسة

لازالت تقف أمام المرآة تتزين منذ الصباح, تبالغ فى وضع مساحيق التجميل, تدارى آثار حبة قديمة هنا واختلاف فى لون الجلد هناك, تنظر إلى عينيها تفكر هل تبدو جميلة كما ينبغى أم تغير لون الظلال !

 

دقت الساعة السابعة

انتهت من وضع المساحيق, تنظر إلى نفسها بعد كل الجهد الذى بذلته تبدو كفتاة جميلة, ذهبت إلى حجرة الاستقبال لتطمئن على نظافتها, جهزت الأكواب للعصير المعد مسبقاً, لم يتبق سوى دقائق قليلة ويأتى فكما عرفته فى العمل فهو دقيق فى مواعيده لا يتأخر أبداً, وقد أخبرها أنه قادم فى تمام الساعة الثامنة ليقابل الوالد تسأل نفسها بقلق :

         ماذا لو لم يكن يقصد أمر الزواج ؟

تشيح الفكرة عن رأسها وتبتسم : ماذا عساه يريد من أبى سوى ذلك !

 

دقت الساعة الثامنة

تتسارع دقات قلبها.. تكاد أنفاسها تتوقف وهى تقف خلف الباب فى انتظار من يرن الجرس فتفتح له, لحظات مضت كأنها دهر .. نظرت إلى الساعة العقارب تمضى والباب لا يدق, تمر نصف ساعة وهى لازالت تقف تفكر فى سبب تأخره فتهمس لنفسها:

         ربما  ضل عن البيت ولازال يبحث عنه !

تخرج إلى الشرفة لعلها تعثر عليه تائه وسط الشارع.. تلقى بعينها يميناً ويساراً فترى الشارع خاوى .. يعتصر قلبها ألماً وتتذكر أنها أفضت لزميلتها المفضلة فى العمل بالسر .

تتذكر تلك الليلة البعيدة كأنها ليلة أمس, كانت تلعب فى الحديقة بصحبة أبيها وأمها ثم أصابتها بلية فى عينها من مسدس لعبة لأحد الأشقياء الذين يعبثون بأزهار الحديقة, فسال الدم على وجهها وصبغ فستان العيد بالأحمر, بكى أبيها لأنه لم يدركها قبل انطفاء عينها اليمنى .. وعندما أجروا لها جراحة وركبوا العين الزجاجية نبهتها أمها ألا تخبر أحد أى أحد, لكنها فضفضت مع زميلاتها فى العمل والتى بدورها لم تقصر فى إخبار الجميع, هذا ما لمسته من الجفاء الذى يتعاملون به معها .

دقت الساعة التاسعة

سمعت صوت الهاتف يشدو بتلك النغمة المميزة التى خصصتها له بعد حديثه معها, عاد قلبها يدق بعدما سمعته يعتذر عن التأخير وهو فى الطريق إليهم, تستعيد ثقتها فى نفسها تصلح ما فسد من المساحيق, تصب العصير فى الأكواب, وأخيراً تسمع طرق على الباب تندفع لتفتحه, تجده يقف وحده أمام الباب فتعتقد أنه ربما جاء للتعارف على الأسرة وسيحضر أسرته فى المرة القادمة .

يستقبله أبيها بترحاب شديد.. يجلس فى هدوء ويتنحنح :

         لقد جئت أطلب منك طلب وأرجو من الله أن يوفقنا فيه .

         تفضل يا بنى .

         سمعت أن لديكم شقة خاوية للإيجارفجئت كى أراها ونتفق .

الأب يُذهل ويصاب بالوجوم ثم ينتبه على صوت ابنته وهى تقدم العصير فيرد فى حزم :

         كان لدينا شقة خاوية لكن سبقك ابن أخى وأجرها اليوم .

يعتذر وينصرف بهدوء.. تدخل حجرتها .. تقف أمام  المرآة تنظر إلى وجهها الذى تحول إلى خريطة للألم بعد أن لطخته دموع العين الوحيدة الباقية وهى تفكر فى ابن عمها الذى رفضته العام الماضى لفشله فى الحصول على عمل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى