ساحة الإبداع

( أحلام بائعة الخوص ) قصة مي مختار

(  أحلام بائعة الخوص  )  قصة مي مختار

(  أحلام بائعة الخوص  )

قصة : مي مختار

في الطريق المؤدي لمقابر الامام الشافعي وسوق الجمعة بالسيدة عائشة تفترش الزهور وجريد النخيل فوق قفص خشبي اعلي الرصيف الملاصق لسور مجري العيون يومي الخميس والجمعة أسبوعيا بخلاف المواسم والأعياد، زهورها ذابله وتحمي رأسها بقطعة من ورق الكرتون لشدة حرارة الشمس ، تبيع زهورها مقابل قروش قليله تعينها هي وحفيدتها علي ضروريات الحياه … بائعة الخوص امرأه تخطت الأربعين استوقفتني تفاصيلها بعيون طفله صغيره في السابعة وانا برفقة اسرتي في طريقنا لزيارة احباءنا هناك رسمت شخصيتها في ذاكرتي وبفضول الطفلة وقفت عند الكثير من الأسئلة التي لم يجيبني عليها أحد، لماذا نشتري الورود والخوص أثناء زياراتنا للموتي،  وهل ستعيد الزهور احباءنا للحياة من جديد ، ولماذا غالبية من يفترشون الأرصفة بأقفاص الخوص من النساء ، وماسر الابتسامة علي وجه المرأة العجوز رغم قسوة المكان الذي تعيش فيه .

مر أحدهم أمامنا والقي عليها التحية قائلا ” العواف يا ناصره” ، …ناصره امرأه سكنت التجاعيد وجهها ، نحيلة الجسد ، شاحبة الوجه، يداها خشنة وجافه ومشققه ، تلتف بطرحه سوداء مرقعه ومتربه ، خلف القفص الخشبي تقوم برص باقات الورد والخوص متراصة وبجوارها صفيحه من الماء الصدأة ، اقبلت علينا طفله صغيره في مثل عمري وربما أصغر قليلا باتجاه ناصره قائله ” عاوزه اكل ياستي” ….

أحلام  ، اسمها أحلام حفيدة ناصره ، ملامح طفوليه بريئة تختفي خلف ملابس رثه وقدمين حافيتين  وشعر غير مهذب ،  طفله لم تقترب من عالم الطفولة بعد ، شيئا ما جذبني لأحلام لأتحمل كتابا او حتي عروسه تلهو بها شأنها شأن الأطفال في مثل عمرها ، لازلت أتذكر  الدماء التي كانت تسيل من كفيها عند جمع الزهور وجريد النخيل لصنع باقات الخوص مع جدتها ، تساءلت لماذا تتحمل أحلام كل هذه الالام ولماذا لم تلتحق بالمدرسة لتحمي نفسها من اشواك الورد ، وكيف تعيش هنا بين الأموات داخل المقابر ، وهل تعلم أحلام ان هناك حياه أخري بعيدا عن جدران المقابر التي يعيشها الأحياء مثلها .

كنت احمل عروسه من القماش حاكتها لي جدتي ذاغت نظرات أحلام نحو العروسة وكأنه اللقاء الأول بين عالمها وعالم العرائس ، وبكل الود ناولتها اياها وابتسمت هي وحملت العروسة في سعادة وسارعت بسؤالها ” نفسك تطلعي ايه لما تكبري” ، قالت ” يعني ايه ” ، قلت ” نفسك تطلعي دكتوره والا مهندسه” ، قالت ”  انا نفسي اجي معاكي ” ، لا أدري هل كانت رغبه للهروب من عالم الأموات الي عالم الأحياء أم ان ابتسامتي الودوده لها  طمأنتها نحوي فأرادت مرافقتي ، الحق انني لم أجد تفسيرا واضحا  وقتها لرغبتها في المجيء وبعد أن كبرت استطعت تفسير جمله من اربع كلمات من اقسي المعاني في قاموس اللغة .

لم ألتقي أحلام منذ كان عمري سبعه ولكني أراها من وقت لآخر في وجه كل طفله تجلس هناك بجوار امها او جدتها بجوار سور مجري العيون أثناء مروري هناك واستعد مشاهد من الذاكرة لأحلام وابتأس لمثيلاتها من الفتيات الصغيرات الذين ينتظرون الرزق والموت معا  خلف قفص خشبي ، الرزق من بيع حزمه او حزمتين من الخوص والورد والموت هناك خلف المقابر بين الأموات ، لن انسي امنيتها الأخيرة عند آخر لقاء بيننا وعمري سبعه ” انا نفسي اجي معاكي ” 

تري اين انت اليوم يا أحلام ، وهل تحقق حلمك في الهروب من خلف جدران السور ووحشة المقابر ؟ 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى