دراسات ومقالات

فتحي محفوظ يكتب مختارات من روائع الفن

مختارات من روائع الفن (54 ) رصيف الحلم د . أحمد نبوي – مصر

في قصيدة رصيف الحلم الجميلة يضعنا الشاعر الكبير د . احمد النبوي مع ايقاعات الحياة النابضة . افراحها اتراحها ، وكذا موقع الانسان امام صروف الدهر ونكباته . انها واحدة من القصائد الرائعة بما تتميز به من عمق وبساطة في التكوين . دعنا نقول ان احد اهم اسباب روعتها هو بناؤها الدرامي .. ” كلَّ مساءْ حين تُزلزلني الأخبارُ وتصفعني الأنباءْ تنهمرُ عليَّ شظايا الهمِّ وتشتد ُّالأنواءْ فألملمُ نفسي فوق رصيفي ” ولنتأمل جيدا صفاتا ذات ضجيج كالزلزلة والصفع والانهمار كما الشظايا واشتداد الأنواء . انها تبدو بادئة صريحة وبائسة ، ما الذي يمكننا ان نتوقعه من ضجيج الصفات : هل نتوقع وجود خطب ما , لعله ذلك الفعل القادم من طيات مجري الحياة ، وهو الفعل الذي يثير الفزع ، وهو من تصبح نتائجه علي المستوي ، الانساني ممثلة في ذلك الفزع والتقوقع والملمة فوق الرصيف منزويا يكور جسده علي شكل دائرة يخفي داخلها رأسه بين ساقيه ، وعلي المستوي المحكي تبرز الأخبار والهموم والأنواء والرزايا لتوقع بصماتها علي الرصيف كمتغيرات ومثيرات للرعب .. ” أفتحُ طاولة َالحلم ِ وألعبُ أجذبُ نجمًا نحو الأرض ِ أحطمُ أسوارَ الأرجاءْ وأُذيبُ الثلجَ وملحَ الماءِ ِ وأُطفئُ نيرانَ الصحراءْ وأُجففُ جيناتِ الجدب ِ وأُلجمُ جانحةَ الأنواءْ ” ويقوم النص ببناء الدراما السيكولوجيا مقتفيا آثار المثيرات ليدفع الي النص نقيضها الدرامي علي هيئة استجابات ، وهو المضمون البنائي الذي يقوم بمعادلة وقائع الخطب . ما الذي يمكن ان يحدث : انه وبمنطقه البسيط والعفوي يحلم ، وبذلك تتكثف خيوط البناء الدرامي علي شكل استجابة مضادة لا تعتمد علي العنف ، ليصبح جل اعتمادها علي السلوك الانسحابى . الهروب من الواقع الي خيال الحلم ، وما بين الواقع والخيال تبدعه نزعة الدراما السلوكية ، فليفتح طاولة الحلم ليلعب ، ويبدو تعريف الطاولة مناسبا للقيام باللعب ، ومن ثم يصبح التكوين مناسبا لقبول اللعب كمظهر انسحابي ، ولكن اللعب لا ينسجم بطبيعته مع منطق الانسحاب . انها مفارقة فاللعب مشاركة . هو قيمة ايجابية يعتد بها ، ولكن النشيد يضع الحلول البنائية لتقبل اللعب , ليس باعتباره مشاركة مادية علي طاولة الحركة ، ولكن باعتباره سلوك انسحابي من منطق العقل الي منطق الخيال ، واللعب في دوائر متخيلة يصبح بالتالي انسحابا ينظمه العقل ، فهو من يمنح القوة الهائلة له كي يجذب الي الأرض نجما ساطعا في السماء ، ان يذيب الثلج ويحطم ارجاء المكان ، ويطفئ نيران الصحراء ، ويلجم الأنواء ، ويجفف الجدب . اصبح الآن في واقعه الاعتباري يملك الكثير من اسباب القوة المفرطة ، وفي واقعه الدرامي يدفع بالنقيض المضاد لحالة الخذلان ، لتقوم الدراما السلوكية بفرض تبعاتها .. “كلَّ مساءْ فوق رصيفِ الحلم ِ أهيئُ متكأً ” والاعتياد هو استمرار في السلوك داخل دائرتي المكان والزمان المحدد بدقة الترتيب. في الأماسي .. ” وإليهِ أدعو أصحابي: ” وفي العادة تشكل الصحبة مفهوما مناقضا لعزلة الانسحاب ، ولذلك يعمد النشيد الي بسط اطرافه ضمن فعاليات البناء ، وعلي اساس ان الصحبة لا تمتلك قوامها المادي ، وأن غاية ما يصبو اليه هو صحبة داخل العقل المنفتح داخل دوائر العقل المقاوم للخذلان ، وهو العقل الذي يقيم صلات بينه وبين اناس ربما قاموا في المخيلة لتقديم الدعم والحافز للبقاء .. ” أخناتون وسقراط وموسى وعيسى ومحمد -صلوات الله عليهم – وملائكةً وطيورًا طيبةً ” فالصحبة الداعمة متنوعة ومنتقاه من ثياب التاريخ والفلسفة والعقائد والطبيعة الطيبة .. ” ورجالاً ونساءْ أدعو: عنترةَ العبسيَّ وآلَ الكهفِ وطاغورَ وسيزيفَ وبوابَ عمارتنا أدعو … أدعو … أدعو أندلسَ الشعراءْ ” ومن يدعوه لموازنة اخفاقاته ضد القوي المقتحمة اناس يبدون في ثياب واقعية تحت جناح الخيال الجامح . رجال ونساء يقدمون الدعم ، وعنترة القوي ، وطاغور الحكيم ، وسيزيف الشقي ، وبواب العمارة البائس ، وشعراء الاندلس يستدعيهم جميعا من دفاتر التاريخ الذي يعلم بواطنه وخفاياه .. ” كلَّ مساءْ أُجْلِسُ بجواري: ضوءَ الشمسِ وأحلامَ البسطاءْ ووجوهًا أزعجها الدهرُ ” وتفرض الحاجة الي الدعم منوالها وفقا لقواعد المكان والزمان اللذان يتواليا مرورهما في المخيلة العاجزة . يسحب ضوء الشمس الي جواره ليلوذ بدفئه العاطفي , يجمع في معيته احلام البسطاء مثله ، ويتعاطف مع وجوه يكون الدهر قد ازعجها مثلما انزعج ، ولتصبح المشاركة الانسانية والتعاطف مثار اضمار داخل النفس الشقية .. ” وثوارًا وخطىً حائرةً وطموحاتٍ وجبالَ الرحلة ِ والآلام وحبًا كان وأناتِ الأطفال ِ ودمعَ ثكالى ودماءَ الشهداء ” وفي المخيلة تكمن الأخلاط في تتابع علي تلك الأصداء من الحياة الحافلة : ثوار ضد المظالم ، وخطوات قد تكون متعثرة لأناس آخرين ، وطموحات موؤده ، وآلام تبدو كالجبال تجثم علي الصدور ، وحبا كان ثم ضاع ، وقلوب ملتاعة من انات الأطفال وشقاء الثكالى ، ودماء مراقة تحت رايات الشهادة لأناس ماتوا في سبيل الوطن .. ” أُجْلِسُهم بجواري وأخط ُّ علاماتِ استفهام ٍ ثائرةً حمراءْ ” انه زحام الحياه يطفو داخل وعيه الانساني المهيض ، يجالسهم وهو ينعي وجوده البائس الي جوارهم الداعم لسقوطه المريع .. ” كلَّ مساءْ فوق رصيفي أرسم وطنًا يُشبهُ وطني أرسمُ نافذةً وضياءْ أحفرُ نهرًا بين يديـه ِ” انه ذلك الإنسان مهيض الجناح في جلسته الاسطورية مكورا علي الرصيف ، وراسه بين قدميه ، والانواء والأرزاء تحاصره من كل صوب . يرسم داخل وعيه وطنا يفتقده ، ونافذة موصده ابدا ، وضياء يحن الي وجوده . يحفر نهرا يجري في وطنه ، يزرع منه اشجارا مظللة بالخير .. ” أزرعُ أشجارًا خضراءْ: شجرةَ حبٍّ شجرةَ عدل ٍ أزرعُ شجرًا للحريةِ ” انه يحلم بيوتوبيا نهر في وطن يزرع منه شجرة حب وشجرة عدل وشجرة للحرية ، والحلم ينادي بما يكفل لتلك القيم ان تنمو خصبة في ارض مخيلته وفي يوتوبيا الأمل الضنين .. ” أُطلقُ حولهُ: أسئلةً ” فهو ما زال يفكر ويتأمل دون ان يفقد وعيه في تلك ا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى