دراسات ومقالات

حسين عبد البصير يَكتُب : معبد الدير البحري

مدير متحف الآثار-مكتبة الإسكندرية ..

قامت الملكة حتشبسوت ببناء معبدها الرائع في الدير البحري على الضفة الغربية في الأقصر، مواجهًا للكرنك. وسُمي معبد حتشبسوت بـ”جِسر جِسرو” أي “مقدس المقدسات”. وبناه المهندس سننموت. ويتكون من ثلاثة مستويات. ويحتوي كل منها على صف من الأعمدة في نهايته. وفي المستوى الأعلى، يقع فناء مفتوح خلف صف أعمدته، تتقدمها تماثيل لحتشبسوت بهيئة أوزيريس. ويعد معبدها معبدًا جنائزيًا كانت فيه تُقام الطقوس لها بعد وفاتها. ولم يكن المعبد مخصصًا لها فقط، فقد كان المعبد يتضمن أجزاء مكرسة لوالدها تحتمس الأول، وحتحور، وأنوبيس. وخُصصت مقصورة مكشوفة للسماء لرب الشمس “رع حور آختى”. وهناك مكان عظيم مكرس لآمون. وفي نهاية الفناء العلوي، على المحور الأساسي للمعبد، تم قطع ممر في الجبل ينتهي بقدس الأقداس. وتمثل مناظر المعبد طقوس المعبد، والأعياد الدينية، ونقل المسلات من المحاجر إلى الكرنك. ويعطي معبد حتشبسوت صورة واضحة لمظاهر العداء العائلي والديني. ونرى العداء العائلي بوضوح بين حتشبسوت التي استطاعت بقوتها وشخصيتها أن تنحي تحتمس الثالث عن العرش لصغر سنه. ونرى غضبه الانتقامي واضحًا في كل ما بقي من آثارها. وحطم أتباعه تماثيلها وكشطوا أسماءها. وشوهوا ما وصلت إليه أيديهم من صورها. كل هذا واضحًا على جدران المعبد. ويظهر العداء الديني في عهد أخناتون الذي قام بثورته الدينية ضد آمـون وكهنته، فقام أتباعه بتشويه صور آمون وكشط أسمائه. ورمم رمسيس الثاني بعض ما تم تشويهه من مناظر ونصوص المعبد. ولعل أكثر المناظر أهمية التي تمثل بعثة حتشبسوت إلى بلاد بونت التي ربما كانت تقع بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وتم تصوير سكانها، ومنازلها والبيئة المحيطة، والثروات والحيوانات الغريبة التي جلبها المصريون معهم من هناك. وتبدأ مناظر تلك الرحلة بمنظر يوضح بالنص والصورة إبحار البعثة المصرية إلى بونت. وتمثل مناظر الصفين العلويين أشجار البخور، وهي تُنقل بجذورها في سلال مليئة بالطين بواسطة الجنود المصريين. ويفصل المناظر مجرى مائي. وصورت فيه مناظر مختلفة من أسماك البحر الأحمر. وتدل على ذكاء الفنان المصري، وملاحظاته الدقيقة، وقدرته على نقل المناظر الطبيعية التي توضح البيئة وتسجلها. وتم أيضًا تصوير كيف أصبحت حتشبسوت ملكًا للبلاد، ليس فقط عن طريق تأكيد تعيين والدها تحتمس الأول لها كوريث له، بل أن والدها هو الرب آمون نفسه من خلال مناظر الولادة الإلهية. وكانت مناظرها من أهم الأسباب لبناء المعبد. وأُقيم في المقام الأول للإله آمـون. وكان يُعبد فيه بجانبه رع حور آختي، وأنوبيس، وحتحور. وكان الهدف الثاني أن يخلد ذكرى حتشبسوت ووالديها. وكان الأخير أن تُسجل أسطورة مولدها الإلهي، وأن تثبت أن والدها هو آمون، وليس تحتمس الأول فقط، بعد أن اغتصبت العرش من تحتمس الثالث؛ لذا اتخذت كل الخطوات الضرورية لتثبيت حكمها، وأن يكون المعبد بمثابة دعاية لأحقيتها بالعرش. وسجلت على جدرانه أن الإله آمـــون قد أمر بتتويجها. وبذلك أصبحت ملكة مصر. وقامت بدور الإله حورس. ومثلته على الأرض. واتخذت لنفسها لقب “ابن الشمس”، بل وتشبهت بمظاهر الرجال، وارتدت زيهم، واستعملت الذقن الملكية المستعارة الخاصة بالملوك.

 

 

أوبرا مصر ، دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى