وليد محمد حسني يكتب رحلة مع النبي
الحلقة (٣)
هيا يا صديقي نجلس هنا تحت هذه الشجرة لنراقب هذا الطفل الذي يبدو أنه بلغ العاشرة من عمره وهو يرعى الغنم مقابل أجر بسيط . ترك اللعب واللهو وخرج مع شروق الشمس للعمل والكفاح .
انظر يا صديقي إنه لا يصدر صوتا لا صوت أنين ولا بكاء ولا حتى ناي حزين .
تعتقد ماذا يقول بينه وبين نفسه ؟ هل يشتد به الحنين إلي ذكريات أمه الرقيقة الحنون ؟ أم قوة و عز جده ؟
نظر لي صديقي وهو يقول : أكيد يتحدث عن سوء حظه وأكيد أخذ يعاتب الأقدار التي حرمته من أمه وأبيه وجعلته يبدأ رحلة الكفاح والعمل مبكراً . وربما كان يعتب أيضا على جده لماذا أوصى عمه ( أبو طالب ) بكفالته وهو لا يملك المال الكثير . وربما أيضا ألقى باللوم على أعمامه وخاصة( أبو لهب ) القوي الثري لماذا لم يساعدوه ولماذا تركه لهذا العمل الشاق الممل . وربما أيضاً يا صديقي صنع ناي وعزف عليه ألحانا حزينة يبكي بعدها مع نوح الحمام . وربما قضى يومه مع الأغنام ناقما كارها للبشر.
ابتسمت وأنا أقول له طبعا قد يحدث هذا فهو بشر ويحمل بداخله مشاعر بشرية وطبيعة إنسان فمن الممكن أن حدثته نفسه بهذا في أول يوم .. وفي ثاني يوم … ولكن ماذا عن اليوم العاشر واليوم المائة
انظر يا صديقي إليه … انظر إلي عينيه إلي أين ينظر ؟
إنه ينظر إلي السماء … ثم يلتفت إلي الطبيعة التي حوله
دقق في عينيه هل ترى فيهم آثار غضب … آثار حزن …. آثار سخط … بل فيهم نظرات المتأمل الباحث عن جوهر الاشياء وليس ظاهرها …. نظرات المستسلم لقدر لا يملك تغييره الباحث عن حقيقته ذاته وحقيقة اقداره.
تامل يا صديقي وجهه وهذا السلام النفسي الواضح على قسماته.
وهذه الرقة التي يتعامل بها مع حيواناته وهذا الاتقان الذي يؤدي به عمله … هل هذه تصرفات ساخط … هل هذا وجه حزين .
وقد تسألني يا صديقي كيف فعلها كيف استطاع أن يحول تلك الهزائم النفسية وذلك الحزن على فراق الأحبة إلي هذا السلام والرضا والقوة أيضا التي نراها على وجهه ونظرات عينيه .
أقول لك باختصار التأمل والعزلة الإيجابية هما كلمة السر لذلك لم يتركهم الرسول أبدا طوال عمره حتى لحظة ميلاده
فبدأ برعي الغنم وحيدا بين الطبيعة
ثم غار حراء ثم بعد الوحي والرسالة أصبح التأمل والعزلة في قيام الليل .
أكيد طائر الأحزان حلق كثيرا فوقه ولكنه لم يستطع أن يبني عشا في قلبه صلى الله عليه وسلم