
بقلم/ حسام عبد القادر مقبل
“الحياة ذكريات جميلة وحزينة، سعيدة ومؤلمة، قد تكون مليئة بالإنجازات، أو بالإخفاقات.. وتبقى الصورة هي التي تسجل هذه الذكريات وتحتفظ لها لتصنع تاريخنا”.
عصمت داوستاشي وفلسفته الخاصة مع الجمهور
في ليلة من ليالي مهرجان الإسكندرية السينمائي، وأثناء حفل الافتتاح وكواليسه تسابق الجميع كالعادة للتصوير مع النجوم والازدحام حولهم، ولدي هواية دائما أن أصور الازدحام حول النجوم دون أن أكون وسط هذا الازدحام، واتأمل كثيرا كيف يمكن للجمهور أن يتزاحم بهذا الشكل من أجل التقاط الصورة مع نجمه المحبب، وهو شيء لا أرفضه إطلاقا طالما يرضي الشخص حتى وإن كان لا يمثلني.
لكن في هذه الليلة وبعد انتهاء حفل الافتتاح بمكتبة الإسكندرية تقابلت مع الفنان الكبير عصمت داوستاشي، وكنت لم أقابله منذ فترة طويلة، فطلبت منه أن نتصور معا، فنظر لي وقال ضاحكا “أنت سايب النجوم دول كلهم وحتتصور معايا”، فقلت له بدون تردد “حضرتك في رأيي أهم شخصية بحفل افتتاح مهرجان الإسكندرية السينمائي”.
قد لا يتذكر فنانا الكبير ربنا يعطيه الصحة والعافية هذه الصورة، ولا الموقف، ولا أستطيع أبدا أن أستعرض هنا – ولو بإيجاز- تاريخ الفنان التشكيلي الكبير عصمت داوستاشي وفنه الرائع، ومعرفتي بالفنان الكبير عصمت داوستاشي تعود إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، عندما تولى داوستاشي إدارة متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ونظم بينالي الإسكندرية، وقتها واجه حربا شرسة لا أتذكر تفاصيلها جيدا، ولكن أعرف جيدا أنه نجح بجدارة بتحويل متحف الفنون الجميلة من مكان منسي إلى مركز إشعاع ثقافي يجتمع فيه مثقفو الإسكندرية، واستطاع إعادة بينالي الإسكندرية وتنظيمه من جديد بعد توقف سنوات طويلة، وعلى حد علمي أنه توقف مرة أخرى، ويحتاج إلى دواستاشي جديد ليعيد إحيائه.
استقال داوستاشي من متحف الفنون الجميلة وتفرغ لفنه الرائع، ورغم أني غير متخصص في الفنون، وخاصة الفنون التشكيلية ولكن لوحات داوستاشي كانت دائما تجعلني أقف أمامها متأملا، وتجعلني اقرأ من خلالها كثير من القصص والحكايات.
ولداوستاشي طريقة في الفكر لا تقل جمالا عن لوحاته، فهو مثلا قريب جدا من الناس والمجتمع، ولم يخضع لفكرة أن الجمهور العادي لا علاقة له بالفن التشكيلي ولا يفهمه، والدليل أنه كان يقيم دائما معارض في مقهي خفاجى بحي الورديان غرب الإسكندرية، وهو الحي الذي ولدت وعشت فيه وأفتخر به، وكان يشارك في إقامة ندوات داخل مقهى خفاجى، مع الدكتور محمد زكريا عناني، والشاعر الراحل الكبير صبري أبو علم، وغيرهم مما لا تسعفني بهم الذاكرة، وكنت أحضر هذه اللقاءات وهذه المعارض وأنا في بداية حياتي الصحفية وأكتب عنها وفخور أني أجلس وسط هذه الكوكبة من المثقفين والفنانين، وفخور أكثر عندما أخبرهم أن بيتي على بعد خطوات قليلة من جلستهم في مقهى خفاجى.
كان داوستاشي وما زال يقيم معرضا دائما في بيته، يستقبل الزوار في أي وقت، ليشاهدوا لوحاته، ويتجولون بحرية، وكان يصدر كتابا من أعماله كل عام، ولا أعرف إن كان ما زال مستمرا أم توقف، وكان دائما يرسل لي مشكورا نسخة هدية، وفي مرة من المرات فتحت الكتاب فوجدت صفحاته كلها فارغة، وفوجئت أنه يطلب منا أن نرسم نحن القراء ما نراه ملائما ليملأ هذه الصفحات، ولكن كيف نملأها يا فنانا الكبير وبماذا؟ قد لا تكفي صفحات الكتالوج لنضع فيه كل أفكارنا، وقد تتذمر هذه الأفكار ولا تكتفي بكتاب واحد، هي فلسفة كبيرة وضعها الفنان الكبير أمام مريديه وقرائه، على أمل أن يصل رسالة أظنه استطاع أن يوصلها.
حسام عبد القادر مقبل – صورة في حدوتة