بعد أعوام من التيه والاغتراب عدت، توقفت للحظات أطالع ذاك المكان، ميناء الرحيل، لم يكن في انتظاري أحد حيث أني لم أخبر أحداً بقدومي كما لم أخبرهم برحيلي.
لم يعلم أحد سواهما، اتخذنا القرار معاً وعدنا أدراجنا معاً مرة أخرى.
توقفت حافلة أمامي خرج من نافذتها رأس كثيف الشعر وأبيضه:
تاكسي يا باشا؟
استقليت الحافلة دون وجهة، أضع فوق قدمي حقيبة يدي التي بها سافرت، لا أحمل بداخلها سوى الذكرى، وجواز سفري، رفيقا الرحلة.
– بس غريبة يا باشا… مفيش ولا شنطة كدا؟
تنبهت لسؤاله، وحاول الجواب الهرب من شفتاي، ولكني أطبقت قضباني عليه، ليت ما أحمله تحويه الحقائب عني، فحقائب الدنيا لا تسع ما أحمله بذاكرتي.
انتهت الرحلة القصيرة الطويلة، ترجلت من الحافلة تجاه المقهى، لأجدهم كما تركتهم، بجلسون بلا طائل، ارتسمت الدهشة على وجوههم، وعلاها الوجوم.
كأنه استقبال الفاتحين، وتوالت الذكريات والضحكات حتى تذكروا ذلك اليوم، فقفز الوجوم من فوق ملامحهم يحتل وجهي، استعادوا ذلك اليوم بكل تفاصيله، حتى باغتني أحدهم بالسؤال الذي تمنيت ألا يسأله:
صحيح يا كريم، هي فين الصورة اللي اتصورناها ع الكورنيش سوا؟
شعرت بثورة تحدث داخل حقيبتي، وكأنها أرادت أن تخرج لهم، قمت مسرعاً دون أن أخبر أحد برحيلي أو موعد تكرار اللقاء كعادتي.
ذهبت إلى مكان التقاط الصورة، أخرجتها من حقيبتي وتركت عيناي بداخلها تغرق دون نجاة … رأيتها في خلفية الصورة تمسك يده، يتقنان دور العاشقين ببراعة.