صورة في حدوتة
بقلم/ حسام عبد القادر مقبل
“الحياة ذكريات جميلة وحزينة، سعيدة ومؤلمة، قد تكون مليئة بالإنجازات، أو بالإخفاقات.. وتبقى الصورة هي التي تسجل هذه الذكريات وتحتفظ لها لتصنع تاريخنا”.
حكايتي مع حذاء هارفارد
من الصور التي لا يمكن أن أنساها أبدا، صورتي مع تمثال جون هارفارد في رحاب جامعة هارفارد بكمبردج ببوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء زيارتي للولايات المتحدة في 2015، وهذه الصورة لها حكاية طريفة.
فأثناء زيارتي لصديقي الكاتب عاطف يوسف بمدينة بوسطن بأمريكا، خرج معي في عدة جولات بالمدينة، ولكنه قال لي لا يمكن أن تكون هنا ولا تزور جامعة هارفارد بكمبردج وهي من أعرق الجامعات الأمريكية وعلى مستوى العالم، فرحبت بالطبع.
وهارفاد ليست مجرد جامعة، بل هي مجتمع وحياة متكاملة من مبان ومحلات ومكتبات ومطاعم وبنوك وكل شيء مرتبط بهارفارد، وكلها لها لون أحمر غامق أو نبيتي ليميزها عن غيرها من المباني.
ولأن الوقت دائما ضيق، فتجولنا في رحاب الجامعة والتقطت عدة لقطات تذكارية سريعة أمام الجامعة وخارجها، والمشاهد كلها رائعة، الحياة جميلة، الناس لديهم حيوية غير عادية، الميدان يعج بالناس، الكل يتحرك في اتجاهات مختلفة، الكل يقرأ، دخلنا مكتبة لبيع الكتب، ظننت لوهلة أنها مول، قال عاطف لي إنها مكتبة صغيرة! تعجبت من كلمة “صغيرة” وضحكت، الأغرب أني وجدت المكتبة مزدحمة بالناس لشراء الكتب، وجلسنا في كافيه وشربت شايًا باردًا، وشاهدت لاعبي الشطرنج وهم يتراهنون على الفوز.
ودخلت الجامعة وشاهدت تمثال جون هارفارد مؤسس الجامعة، وقال لي عاطف “لابد أن تتصور معه” ولكني فوجئت بأن هناك ازدحام غير طبيعي أمام التمثال، وأن علي أن أقف في طابور حتى أصل للتمثال، وترددت وفكرت في أخذ لقطة من بعيد توفيرا للوقت، لكن عاطف رفض وقال لي لن تأتي هنا كل يوم، يجب أن تصبر وتتصور وتمسك بحذائه.
فتعجبت جدا من حكاية مسك حذائه، وقولت له ولماذا أمسك حذائه؟ ضحك وقال لي الجميع يفعلون ذلك، وبالفعل تصورت بجانب التمثال وأنا أمسك بحذائه مثلما يفعل كثيرون، ولكني بحثت عن تفسير لموضوع مسك الحذاء، ففهمت أن الكل يريد أن يتمسح بحذاء هارفارد كنوع من العرفان بالجميل، وهذا السبب المباشر، ولكني وجدت سببا آخر من تفسيري الشخصي، أن التمثال ضخم وعالي جدا، والناس لا تستطيع أن تمسك أي شيء من التمثال إلا آخر جزء منه وهو الحذاء، حتى أن الحذاء أصبح لامعًا من كثرة التمسح به، آه لو هارفارد كان يعلم ذلك.
وجون هارفارد، ولد بلندن بالمملكة المتحدة عام 1607 وتوفي في بوسطن بالولايات المتحدة عام 1638، وكان رجل دين أخذت جامعة هارفارد اسمها منه، وأسس جون هارفارد الجامعة عام 1636، وكانت بدايتها أنه وهب مجموعة كتب ومراجع علمية لمجموعة من طلبة العلم والباحثين ومبلغ مالي حوالي 100 جنية استرليني، كان مبلغ كبيرا وقتها بالطبع.
هاجر هارفارد في عام 1637 إلى نيو إنجلاند، وهناك استقر في تشارلزتاون، حيث أصبح معلما للكنيسة الأولى هناك، وأصيب بمرض السل، ومات نتيجة لذلك، في 14 سبتمبر من العام 1638، ودفن في شارلزتاون.
أوصى هارفارد قبل وفاته بنصف ثروته من أجل إنشاء مدرسة، تحولت بعد ذلك إلى جامعة هارفارد، كما ترك مكتبة كاملة من الكتب، مكونة من 400 كتاب.
في عام 1639، أصدرت محكمة ماساتشوستس العامة مرسوما يقضي بتسمية المدرسة، كلية هارفارد، امتنانا للمتبرع الأول لها. تم تسليم تمثاله المنصوب الآن أمام الجامعة في عام 1884، والذي نتمسح في حذائه حتى الآن.
حسام عبد القادر مقبل – صورة في حدوتة