بمناسبة اختيار السندية ضمن لغات الدورة التاسعة
كتبت منال رضوان
جولة ثقافية لجائزة الشيخ حمد للترجمة في باكستان
قام الفريق الإعلامي لجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي بجولة ثقافية في باكستان، للتعرف على واقع الترجمة بين اللغتين العربية والسندية، واستكشاف آفاق التعاون بين الفاعلين في هذا المجال، وذلك في إطار فعاليات الموسم الثقافي المصاحب للدورة التاسعة للجائزة التي تم اختيار السندية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز فيها.
وتضمنت الجولة عدداً من اللقاءات والاجتماعات والجلسات الحوارية في جامعات ومعاهد تدرّس اللغة العربية وتعنى بالترجمة بين اللغتين العربية والسندية بإقليمَي كراتشي وحيدر آباد، اللذَين يشكلان الموطن الرئيس للّغة السندية، أثرى النقاشات فيها أكاديميون، ومترجمون، وممثلو معاهد ومؤسسات بحثية، وطلبة جامعيون.
وبدأت فعاليات الجولة بندوة تعريفية عُقدت في جامعة أبي بكر الإسلامية، الجامعة الوحيدة -من بين ما يزيد على ألفي جامعة بباكستان- التي تدرّس جميع تخصصاتها باللغة العربية.
واستعرض الشيخ يونس رباني، ممثل مدير الجامعة، تاريخ تأسيس الجامعة التي تخصصت بعلوم الحديث النبوي الشريف والتفسير وسائر علوم الدين، وبيّن أن رقعة المستفيدين من خدماتها توسعت من خلال إنشاء المعهد العلمي الثانوي ودبلوم اللغة العربية وشعبة تحفيظ القرآن وشعبة الإفتاء والترجمة والتحقيق والاقتصاد الإسلامي، كل ذلك بمحاذاة ترجمة هذه العلوم من العربية إلى السندية والأوردية.
وأوضح رباني أن الخدمات العلمية للجامعة شهدت توسعاً لتشمل تأسيس فروع ومدارس وأكاديميات إسلامية عديدة، منها جامعة عائشة الصديقة للبنات. مشيراً إلى أن الدراسة مجانية لجميع الطلبة فيها، وأن عدد خريجيها يبلغ حوالي خمسة آلاف طالب وطالبة يمثلون 54 جنسية حول العالم، ويشكل الطلبة السنديون ما نسبته 75% منهم.
وفي سياق حديثه عن الترجمة، قال رباني إن أول ترجمة لمعاني مفردات القرآن الكريم باللغة السندية ثم الفارسية، وُضعت في القرن الثالث للهجرة، تلتها ترجمات السيرة النبوية. وأشاد بدور جائزة الشيخ حمد للترجمة في التجسير بين الثقافات، واصفاً إياها بـ”الحاضنة التي تلتفت للعديد من اللغات التي تعرضت للتهميش رغم ما لديها من رصيد معرفي وفكري وإنساني”.
وختم رباني حديثه بقوله إن هذه الجائزة “تجمع تحت قبتها أمم العالم”، وإن فكر الشعوب “وجد طريقه من خلالها ليجتمع في حروف العربية”، مؤكداً أن الجائزة تعدّ مبادرة جليلة تندرج في إطار المثاقفة التي لا تعيقها حدود.
بدوره، تناول الشيخ نظام الدين محمد يوسف، الذي ترجم كتباً عدة بين السندية والعربية، الواقع المؤلم الذي تعيشه اللغة السندية، قائلاً إنها بدأت تتراجع وإن الأمل معقود على جائزة الشيخ حمد للترجمة لإعادتها إلى دائرة الضوء من جديد.
وعرّف الشيخ عبد الباقي السندي بالمكتبة القاسمية (كنديارو) التي أسسها والده الشيخ د.محمد إدريس السندي وتضم آلاف الكتب والمخطوطات القيمة والنادرة، ومنها مؤلفات لعلماء السند بالعربية والسندية، وأشار إلى ترجمة والده لقصيدة “بانت سعاد” منظومةً إلى السندية، وذكر عناوين بعض المصنفات التي تحتويها هذه المكتبة، من بينها كتاب “الأدب العربي في بلاد السند”، موجّهاً الشكر للقائمين على جائزة الشيخ حمد لالتفاتهم إلى اللغة السندية وجهود علمائها، مما يشكل “أحد مظاهر العطف والرحمة إلى جانب التفاهم الإنساني بين العرب والسند”.
وثمّن مفتي الجامعة فضيلة الشيخ أبو معاذ، اختيار اللغة السندية ضمن اللغات الخمس لفئة الإنجاز في الموسم التاسع للجائزة.
في سياق متصل، تحدث مدير الجامعة الشيخ ضياء الرحمن المدني خلال لقائه بالوفد الإعلامي، عن مسيرتها وإنجازاتها منذ التأسيس، ثم قدم درع الجامعة للوفد مثمناً حرص الجائزة على استكشاف آفاق التعاون بين المعنيين بالترجمة بين اللغتين العربية والسندية.
وأشادت د.حنان الفياض، المستشارة الإعلامية للجائزة، بجهود دولة باكستان في رعاية اللغة العربية ونشرها، واستعرضت أهداف الجائزة في تشجيع المثاقفة بين الشعوب، وتكريم المترجمين، وإغناء المكتبة بالأعمال الجيدة المكتوبة بالعربية وسواها من لغات العالم.
وزارَ الوفد الإعلامي للجائزة مكتبةَ الجامعة التي تضم قسماً خاصاً بالمخطوطات الإسلامية التي يعود بعضها إلى القرن الثامن عشر للميلاد.
وفي إطار الجولة، زار الوفد معهد المدرار لتعليم العربية والعلوم الإسلامية، حيث اطلع على جهود المعهد في تعليم العربية والعلوم الإسلامية لطلبة المدارس الأهلية وللطلبة السنديين الذين لم يلتحقوا بالمدارس الدينية في إقليم السند. وقدم حسن سجاد، ممثل مدير المعهد، نبذة عن المعهد الذي تأسس عام 2012 بهدف استثمار أوقات الشباب وتقليص الفجوة بين مظاهر الدين والدنيا، معتمداً وسيلة التعليم عن بعد لتدريس علوم التجارة والاقتصاد والدين (التفسير والفقه والسنة النبوية).
وأوضح أن المعهد يعقد دورات تمكّن المتعلم خلال عشر ساعات من إتقان العربية تحدثاً، ويمنح شهادة الدبلوم في اللغة العربية، وشهادات علمية من جامعات معتمدة، وأنه يعلّم العربية لغير الناطقين بها، ويتواصل معهم في أكثر من أربعين دولة محققاً حوالي خمسة ملايين متابع عبر العالم.
وأشار إلى أن المعهد حصل على دعم مادي ومعنوي من دول عدة –خصوصاً في العالم الإسلامي- فارتفعت أجور المدرسين فيه، وتم تقديم المنح لبعض الطلبة غير القادرين على دفع الرسوم.
وفي سياق تواصلي جانبي، أوضح د.عبد الحي المدني أن جامعة كراتشي الحكومية لا تدرّس اللغة السندية وليس فيها قسم للترجمة بين اللغتين السندية والعربية.
وخلال زيارة الوفد لإقليم حيدر آباد، التقى في مدينة جامشورو التي تحتضن جامعتَي مهران والسند وجامعات أخرى، بعدد من العلماء والأكاديميين في جامعات الإقليم.
وتحدث د.محمد إدريس السندي، مدير جامعة عمر ومدير المكتبة القاسمية، عن العلاقة الوطيدة بين العرب والسند عبر التاريخ، منذ قدوم العديد من علماء السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعودتهم إلى ديارهم ليُسْلم على أيديهم أهل السند، مشيراً إلى وجود العديد من قبور الصحابة في بلاد السند، مما يدلّ على التواصل الديني العظيم.
وقال إن أول ترجمة لمعاني مفردات القرآن الكريم إلى السندية كانت على يد الشيخ غلام مصطفى القاسمي سنة 270 للهجرة، وإن هناك أكثر من 500 كتاب مصنف في الحديث والتفسير مترجمة إلى السندية، منها ترجمة صحيح البخاري في ثمانية مجلدات.
وتوقف عند جهود إدريس القاسمي السندي في هذا المجال، موضحاً أن له ما يزيد على سبعين عملاً مترجماً من العربية إلى اللغتين السندية والأردية، وأشار إلى أن بعض المصنفات تعدّدت نسخ الترجمة منها لتصل إلى خمس ترجمات للمصنف الواحد باللغة السندية، مما يدل على ازدهار حركة الترجمة في إقليم السند.
وتحدث في اللقاء كل من إمام وخطيب جامعة الياقت للعلوم الطبية والصحية في جامشورو، وشيخ غلام شبير خطيب جامعة السند، الذي أشار إلى كثرة علماء السند، ومنهم من عنده سنَد سلسلة الأحاديث، وبيّن أن جامشورو تُعرف بمدينة العلم وفيها أكبر الجامعات في آسيا مثل جامعة السند. ودعا المترجمين للترجمة في مختلف المجالات لا الاقتصار على الترجمة الدينية.
وأثنى د.امتياز أحمد من جامعة عمر، على رسالة الجائزة في تشجيع الترجمة، وعلى دور المدارس الدينية بباكستان في خدمة عملية التعريب، وأشار إلى توجه جديد بين الشباب يقوم على التعاون في عملية الترجمة لخدمة اللغة العربية والدين الحنيف، وإلى أن عدداً من الأعمال العلمية المهمة لم تحظَ بالطباعة والنشر حتى الآن، منها كتاب “تراجم علماء السند الذين ما زالوا على قيد الحياة”.
وشدّد حبيب الرحمن الخير آبادي، المدرس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة عمر، على أهمية دعم الأعمال المترجمة من العربية إلى السندية.
أما شيخ نياز أحمد الذي ترجم أعمالاً أدبية عدة من العربية إلى السندية، فقد رأى أن ترجمة الأدب أسهل من ترجمة الأعمال الدينية والعلوم الطبيعية، داعياً إدارة الجائزة إلى إعادة النظر في شروطها بما يتيح الفرصة لتكريم الأعمال غير المطبوعة.
والتقى الوفد خلال زبارته إلى جامعة أنس بن مالك في حيدر آباد، بعدد من علماء السند المشتغلين بالترجمة. واستعرض مدير الجامعة الشيخ أفضل شعيب الأنصاري، أهدافها الرئيسة، ومن بينها تنقية الدعوة الإسلامية من التشتت المذهبي والجهل والإلحاد، والسعي إلى إعداد دعاة واعين بدور الإسلام ورسالته. وأشار إلى جهود الجامعة في تحفيظ القرآن الكريم لجيل الشباب، ودورها المجتمعي من خلال دعم بناء مستشفيات مجانية لخدمة سكان المنطقة.
وأعرب الأنصاري عن سعادته لحضور أحد عشر عالماً من علماء السند وشيوخها هذا اللقاء، مستعرضاً أبرز أعمالهم التي قاموا بترجمتها من العربية إلى السندية.