اتخذ مقعدا منزويا في كازينو النهر المطلة على شاطئ دجلة العامر، حاملا معه مجموعة من الأوراق البيضاء وبيده قلم رصاص وفي رأسه تدور أفكار كثيرة ..
عجبا في اي موضوع يكتب ؟!.
نظر إلى مياه نهر دجلة الهادئة ومد بصره بعيدا حتى اصطدمت بالضفة المقابلة للنهر ..
كان مساءً والطقس ربيعي .. النسمات الحالمة القادمة من دجلة ناعسة تدغدغ الوجوه ..
لم يكترث بالجالسين من إمامه وعلى جانبيه .
امسك القلم بهدوء وأراد ان يكتب شيء … ولكن في أي شيء؟
إنه في انتظار .. انتظار أي شيء يذهب عنه العقدة التي تمنعه من الكتابة ..
طرح القلم جانبا وأحس برغبة جامحة بتمزيق الورق وتكسير القلم والانصراف على عجل .. وقطع تفكيره النادل عندما
قال له
ــ تفضل … بارد .. شاي … حامض؟!
وبدون أن ينتظر قال:
ـ شاي
استمر بالتفكير وأمسك القلم مرة ثانية وهم بالكتابة ولكن حملت النسمات إلى أنفه عطراً نسائيا جعل مشاعره تهتز وتقف وتنظر من هذه صاحبة العطر؟ وتمتم قائلا
ــ الله ما أروع هذا العطر!
راح فضوله ليعرف من هذه المرأة التي حركت أحاسيسه وقلبت موازينه..
تابع النظر خلسة … فتاة شابة بعمر الورود وهي مع امرأة في الأربعين من عمرها حسب تقديره
تابع ذلك حتى جلوسهما في أحد المقاعد البعيدة عنه في الكازينو
لملم أوراقه وأسند قلمه في يده وراح يكتب بحرية كأن الوحي نزل عليه
( النساء بالنسبة للقبلة ثلاث …
الأولى يحمر وجهها خجلا عند تقبيلها
الثانية تضحك عند تقبيلها
الثالثة تستدعي الشرطة عند تقبيلها )
ـــ زوجتي من أي صنف ؟.. لا أدري ..عجبا هذه الحــورية التــي أمامي من أي نوع يا ترى ؟
توقف قليلا .. وضع قلمه على المنضدة .اختلس نظرة أخرى على عجل ..نحو الفتاة وانبهر من جمالها ….
فتاة في مقتبل العمر .. وجه مدور أبيض . شعر أصفر طويل منسدل على كتفها نحيفة الجسد…صدر ناهد ..ترتدي قميص أصفر وتنورة صفراء وحذاء أصفر ..كل شيء أصفر حتى الوردة التي تضعها على ضفيرة شعرها صفراء .. اهتمام بالغ بالمظهر والهندام والمكياج ….
مد يده في جيبه وأخرج علبة السجاير ..
وضع سيجارة في فمه .. استخرج عود ثقاب وأشعله وقربه من السيجارة وببطء وأخذ نفسا طويلا ونفث الدخان في الهواء غاضبا وغمغم
ــ لماذا لا تكون هذه زوجتي مثلا ؟ …. إن الله ابتلاني بزوجة ثرثارة ..لا تهتم بملابسها .. لا تتجمل أمامي .. لا تثيرني . ألست إنسان ومن حقي التمتع بهذا الجمال الملائكي ..
لماذا يا رب ؟
أريد ان أعيش كبقية جنسي أتمتع بالحياة .. وانظر الى زوجتي وانجذب اليها كالعطشان ..
وساوره الشك ..
امسك القلم مرة أخرى وراح يكتب عسى أن ينسى ذكرياته الأليمة مع زوجته …..
( القبلة راية السلام بين الأزواج وعلم الحب بين الأصدقاء والمغناطيس القوي الذي يسكن زوابع الحدة والغضب )
سكت قليلا وابتسم بسخرية
ــ أي قبلة هذه التي تجمعني مع زوجتي وأي راية وأي علم وأي مغناطيس .. هذا الكلام هراء لا ينطبق على حالي .. ليتني لم أتزوج .. ولكن لماذا لا اتبع الطريق الأخر الطلاق ..
وفي سره قال
ــ قررت أن أطلقها .. وأتزوج بأخرى أفضل منها جمالا عندما أغادر الى البيت سأنفذ القرار .. وليكن ما يكون .
وقطع تفكيره مغادرة الفتاة مع عائلتها الكازينو .
وقف متحيرا .. لم يشبع قلبه الجائع من جمالها .. ولم ترتوي عينيه وسامتها .
تسمر مندهشا وعاود الكتابة
( الحب .. هذا العالم الذي غنى من اجله قيس وليلى… وروميو وجوليت …. والكثيرين )
توقف أخيرا وانتابه الخداع والكذب .. مزق الورق وضغط على القلم حتى كسره قام ودفع أجرة الشاي وانصرف .
وفي الباص الذي يقله الى البيت استاء من نفسه ولعن القلم
والورق … ولعن القبلات … ولعن النساء والزوجات ….
دق جرس الباب .. فتح الباب ..
ماذا رأى خلف الباب ؟ لا يصدق … زينة النساء أمامه .. فرك عينيه وبحلق أمامه .
ــ آه .. هي .. بعينها .. نفس الملابس الصفراء .. الوردة الصفراء على ضفيرتها هي كذلك ..نفس الجمال ولكن ما الذي تغير .. هل انا في حلم .. غريب !.. انها هي .. الله يمكن أخطأت بالعنوان .. مستحيل هذا بيتنا .ولكن من جاء بفتاة الكازينو الى بيتي ؟
لم تدم الحيرة طويلا حتى شعر بيد ناعمة تشده اليها وتضمه الى صدرها بعمق وتقول له بصوت رقيق .
ــ انا زوجتك .. زوجتك .. هي التي رأيتها في الكازينو . ألم تصدق ؟
ــ لقد تغيرتِ كثيرا
ـــ نعم تغيرت كثيرا .. من الان سأهتم بمظهري من أجلك يا حبيبي.
شدها بعنف واحتضنها وطبع على خدها قبلة ضحكت على أثرها فقال عندئذ
ــ زوجتي من النوع الثاني من النساء
ارتعدت مستفسرة
ــ ما هذا النوع ؟
فأجاب بابتسامه
ـــ التي تضحك عند تقبيلها.