عباس محمود عامر يكتب الشعر ومدرسة الجن
كيف كان الشعر قبل وضع الفراهيدي لبحور الشعر؟
– الشعر من قديم الأزل كان يعتمد على الإحساس والإبداع في ايقاعات موسيقية ليس لها علاقة ببحور الشعر؛ بل تعتمد على الأذن الموسيقية والموسيقى الداخلية التي تكمن في الروح الشاعرية التي تحدث تناسقا في السياق اللغوي للبيت أو الشطر الشعري.
بعد ذلك أراد الخليل بن أحمد أن يضع نظاما عروضيا يفصل بين النثر والشعر، لأنه ظهرت في ذلك الوقت الخطب والمقامات والرسائل، فوضع بحور الشعر معتمدا على الحروف الساكنة والمتحركة ليصنع منها تفاعيل البحور التي وضعها النقاد أحد الأعمدة الأساسية في المعايير الشعرية وهذا المعيار ليس دقيقا للحكم على شاعرية الشاعر.
بحر الشعر لا يحدد مفردات البيت ومعناها بل العكس؛ إذا حددت بحور الشعر مفردات القصيدة ومعانيها؛ خرجت القصيدة من الشعر إلى النظم؛ لأن أبياتها نظمت على قوالب موسيقية محددة في البحور العروضية .
أما الشعر هو الذي ينطلق من الروح تلقائيا مع المشاعر في صورة إبداعية تتناسق مع موسيقى داخلية في الشاعرية؛ ربما تتسق مع بحور الشعر المعروفة .
أما المدارس العروضية التي ظهرت في الساحة الأدبية ومنها مدرسة الجن والبحور الشهوانية؛ إنها البحور التي نظمت عليها الابيات في أماكن اللهو والمجون والفجور في العصور السالفة، ماهي إلا مسميات توصل إليها بعض النقاد؛ نتيجة استدعاء المعنى من الموسيقى العروضية على حد قولهم، وتركيب المفردة اللغوية الملهبة للمشاعر على هذه البحر؛ ليأخذ البحر هذه التسمية الشهوانية، والبحور التي شيدت عليها هذه المعاني كما حددتها مدرسة الجن هي البسيط المنهوك، المتقارب القصير، المقتضب، المضارع، المنسرح القصير؛ هذه البحور بريئة من هذه التسمية، وبهذا الشكل تقع الأبيات تحت نطاق النظم وليس الشعر ..
وهذا مقطع من أشعاري على وزن المتقارب الذي قيل عنه أنه من البحور الشهوانية من قصيدتي بعنوان “اغنية الحياة” :
“أصَارعُ فيكِ الأمَانِي ،
ومَا أنْ تكونِي في قبْضَتِي
تنْفَدِينْ ،
فأهْرعُ خلْفَ ظلالِ السِّنِينْ ،
فأنْكَبُّ فوقَ ربَا الكبْريَاءْ
أرانِي ضحيَّةَ هذا الصّراعْ ..”
كل هذه المدارس مجرد مسميات وضعها النقاد لحصر بعض الشعراء في موضوع معين يروق لإجتهاداتهم النقدية .