أخبار عاجلةدراسات ومقالات

أحمد طيب منشى يكتب: تاريخ ورحلة المصري هشام قنديل في الفن التشكيلي السعودي

يتفاخر البعض منا بحسبه ونسبه وآبائه وقبيلته وعشيرته، غطرسة وكبرا على الآخرين، فقد قيل ليس يتفاخر الفتي من قال: كان أبي، ولكن الفتى من قال: ها أنا ذا.
عندما يتكيء المرء منا على اعتقاده الجازم بأن الشرف بالنفس لا بالآباء، لمن بنى نفسه بكده وكفاحه واجتهاده، وقبل هذا وذاك بتوفيق من الله وحسن تربيته وتنشئته، كرجل عصامي لا عظامي،
وقد يتطلب ذلك امتلاكه شخصية ذات كاريزما جاذبة ساحرة مقنعة “بضم الميم” و”تسكين القاف”، وليست “مقنعة” بضم الميم و فتح القاف، وهي هبة من الله، تجعله مفضلا عن الآخرين، للحيوية التي يتمتع بها، والتفاني في خدمة الآخرين دون من أو أذى، وتتسم بطيبة القلب وطهارة النفس دون اتباع الهوى، ونقاء السريرة.

بهذه العبارات البسيطة المتواضعة أتشرف بتقديم أحد قامات النقد و الفعاليات الثقافية والتشكيلية لأكثر من نصف قرن ، في رحاب الأرض الطاهرة المملكة العربية السعودية، ممن تعايش مع الحراك الثقافي والفني، وساهم بوافر من العطاء لخدمة الفن والفنانين، على مستوى المملكة والعالم العربي، بكل حب ونقاء بدأ من نقطة الصفر، وبكفاحه وعزيمته القوية، حصد ما غرسه بالأمس، فنال محبة الآخرين، ومكانة اجتماعية وثقافية راقية.
إنه الفنان هشام قنديل، الذي تشرفت بالتعاون معه في أكثر من فعالية ثقافية جمالية، وإن كنا نختلف، إلا أن ذلك الاختلاف لم يولد بيننا خلافا.
هو هشام بن محمد قنديل، فلكل منا من اسمه نصيب كما قيل، “هشام” اسم علم عربي الأصل، يأتي بمعنى النبل والكرم والجود والسخاء، “محمد ” أيضا اسم علم مذكر عربي جاء على وزن اسم المفعول « مُفَعَّل » المشتقِّ من فِعل « حمِدَ » الذي يفيدُ المبالغة في معنى الحمْد، و “قنديل” هو المصباح في زجاجة المضيء، ويأتي بمعنى الجبل.

هشام قنديل من مواليد قرية رملة الأنجب بمحافظة المنوفية عام 1956 ، لأسرة ذات اهتمام بالأدب والثقافة، كان والده شاعرا إلا أن تجربته الشعرية لم تكتمل حسب قوله، وقد خلف والده مكتبة تضم أمهات الكتب القيمة والنادرة استفاد منها أبناؤه وبناته بشكل فعلي، وكان أستاذا للشاعر العربي محمد عفيفي مطر، أحد رواد الشعر الحديث في العالم العربي.

لدى هشام أخوة استفادوا من البيئة التي نشأوا بها، فكانت توجهاتهم إلى الإعلام الصحفي وهم شريف ونزار ووائل وسلوى ونفسية، والأخيرة هي زوجة الشاعر محمد عفيفي مطر.

إلا أن توجه هشام وأخيه نزار كان مختلفا في بداية حياتهما، حيث التحقا بتجارة عين شمس، وقد جذبهما الحنين إلى عالم الصحافة مرة أخرى، فالتحقا بها، واستمر أخوه نزار في عالمها محققا إنجازات مرموقة، أما أبا محمد فلم تكتمل تجربته الصحفية.

تزوج هشام قنديل من الدكتورة هالة حربي، أستاذ الأدب الإنجليزي، الحاصلة على الدكتوراه من جامعة عين شمس، وهو أب لأربعة أبناء، ولدان و بنتان، هم محمد خريج الطب و أسامة طالب الهندسة ، و جهاد و ضي خريجتا الهندسة، والأخيرة تستعد لنيل درجة الدكتوراه فى تخصصها بإسبانيا.

من أبرز سمات الفنان التشكيلي هشام قنديل أنه محب للجميع، ممن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لا يعرف الكراهية والحقد ، مسالم إلى أبعد الحدود، يتمتع بذكاء وفطنة وحكمة استطاع من خلالها ترويض كل من سولت له نفسه الإساءة إليه، فكان يقابل الإساءة بالإحسان، وهذا خلق المؤمن بربه، إعلامي من طراز رفيع، وناقد مميز.

عمل قنديل في بداياته مسؤولا إعلاميا، تعاقدت معه الفنانة القديرة السيدة منى عبدالله القصبي، ليتولى مسؤولية إعلام المركز السعودي للفنون التشكيلية بجدة بمركز كرا التجاري حي الشرفية عام ١٩٨٨م . وتولى إدارة المركز السعودي للفنون خلال فترة وجيزة وتيجة لإخلاصه في العمل وتسخير خبراته الإعلامية لتحقيق طموحاته وتطلعاته المستقبلية فأصبح مديرا للمركز.

بعد انتهاء تعاقده مع المركز السعودي، التحق ببيت الفنانين التشكيليين الذي أنشىء عام ١٩٩٣م بجدة بالمنطقة التاريخية، وقام بتأسيسه بعض رجال الأعمال على رأسهم الدكتور مهندس محمد سعيد فارسي أمين مدينة جدة في تلك الفترة ، الذي قام بإهداء أحد البيوت القديمة الخاضعة لملكيته الخاصة، ليكون مقرا للبيت، وكان دور هشام فاعلا، فقد كان رمانة الكادر الاداري للبيت، ووضع استراتيجيته المستقبلية، من حيث الفعاليات والمسابقات والمعارض والأمسيات الفكرية والثقافية التي كانت تقام بالخيمة التشكيلية بجوار مقر البيت، وتضم العديد من المسؤولين والأدباء والشعراء والفنانين، إلى جانب كتابة التقارير الدورية لمناشط البيت.

ضمن إفرازات ونشاط هشام قنديل، التفكير في إقامة صالة خاصة بالفنون التشكيلية للبيت تحت مسمى “صالة بيت الفنانين التشكيليين”، وتحقق ذلك في فترة زمنية قصيرة، فأنشئت الصالة بمركز الجمجوم التجاري بمنطقة الحمراء بجدة، ونظرا لارتفاع إيجارها نقلت إلى مركز “ناظر ” بشارع التحلية، وكلف قنديل بإدارة الصالة وتولي ترويج المنجزات للتسويق.

ويبدو أن إدارة هشام قنديل لأكثر من مركز صالة تشكيلية، زاد من طموحاته وتطلعاته المستقبلية، فطبيعة عمله التعامل مع المنجز التشكيلي، فقرر الالتحاق بأكاديمية الفنون والحصول على دراسات عليا من معهد النقد الفني، ما أكسبه المزيد من الخبرات الفكرية والثقافية إلى جانب تجاربه الادارية والتسويقية والاستثمارية بشكل احترافي.

لهشام قنديل حكاية مطولة مع الفنان الراحل فهد الحجيلان، وهو من الفنانين المتميزين والمتفردين المبرزين بالساحة التشكيلية في المملكة العربية السعودية، وعلى المستوى الإقليمي والعربي، وصاحب تجربة فنية ناضجة، ومع ذلك كان يعاني الإقصاء والتهميش من بعض أقرانه بمدينة الرياض فقرر مغادرتها إلى جدة التي كانت تعد قبلة للفن التشكيلي، وعند وصول الحجيلان استقر بها، وكان على موعد مع الناقد التشكيلي هشام قنديل، الذي آمن بتجربته الجادة، مؤكدا أنه من أبرز الفنان السعوديين، فقام بدعمه ومؤازرته وتخفيف معاناته، تقديرا واحتراما له و فنه كصاحب تجربة ناضجة صادقة ثرية على المستوى المحلي والإقليمي، وبذلك عادت الروح و الشغف للفنان فهد الحجيلان، وتفجر البركان الخامد الذي كان بداخله كهاجس وعشق للفن التشكيلي، حاملا على عاتقه الرسالة الجمالية في أبهى صورة.

قنديل والحجيلان شكلا ثنائيا متميزا في الالتقاء حول لحمة الفن، وكيف أن جغرافية المكان، لمقر الميلاد والنشأة والإقامة، بشرت بتشكيل وميلاد، وبلورة الملامح الأصلية لشخصيته الفنية، في بيئة جمعت فيما بين الصحراوية والزراعية، فتميزت منجزاته إلى جانب الاختزال، بالبساطة والتلقائية ذات الرصانة الواعية، فكان ابن بيئته، معبرا عن جمالياتها وقيمها الاجتماعية الراسخة، في سلاسة دون تعقيد أو تكلف، “السهل الممتنع”.

كان للانتقال من الرياض إلى جدة، والتقاء فهد بقنديل، نقطة تحول كبيرة في حياته الفنية، التي أسرت القلوب والاحساس، لما تحمل من قيم جمالية ذات أحاسيس مرهفة ومشاعر نبيلة، عكست ما يتمتع به من فكر مستنير وثقافة راقية، وقيم ومباديء راسخة، تخاطب وجدان المتلقى مباشرة دون وسائط.

ونظرا لمرافقة وتعايش قنديل مع منجزات الحجيلان، عن قرب، أتيح لقنديل قراءة منجزاته قراءة نقدية موضوعية بأكثر من مقال.

ضرب هشام قنديل الرقم القياسي بالإشراف على إقامة المعارض الجماعية والثنائية والفردية، فتجاوزت الألف معرض، وتبني الإشراف على الأمسيات والندوات الفكرية والثقافية لنشر الوعي والارتقاء بالذائقة البصرية، ونتيجة لما يملك من كاريزما خاصة استطاع جمع واستقطاب الفنانين والمثقفين المهتمين بالفن من شعراء وأدباء ومهندسين وموسيقيين ومسرحيين، سعوديين ومقيمين من الإخوة العرب، وكان يخصص لكل أمسية ورقة عمل يقدمها أحد الفنانين،
ومن أبرز المشاركين الدكتور سعيد السريحي والأديب فايز أبا والشاعر عيد الخميسي والدكتور عبدالحليم رضوي والدكتور حمزة ياجودة والدكتور سامي مرزوقي و بكر شيخون و عبدالله إدريس، وفناني المسرح والتشكيليين من مدينة الطائف، وكاتب هذه السطور ، وبعض من الإعلاميين.

نظم هشام قنديل العديد من المعارض الفردية لنخبة من الفنانين السعوديين و العرب أصحاب التجارب الناضجة، على سبيل المثال لا الحصر: معرض عبدالحليم رضوي ، محمد السليم ، بكر شيخون ، طه صبان ، عبدالرحمن السليمان ، عبدالله حماس ، فهد الحجيلان ، عبدالله إدريس ، من السعودية، والفنانين العرب عمر النجدي ، أحمد نوار ، فرغلي عبدالحفيظ ، مصطفي يحي ، محمد عبلة ، عادل ثروت ، عبدالوهاب عبدالمحسن ، صلاح المليجي ، حمدي أبو المعاطي ، طارق الكومي ، عمران القيسي ، صادق طعمة ، مصطفى الحلاج ، فارس ملاعب، والقائمة تطول.

تبنى هشام قنديل تنظيم معرض “البعد الثالث” مع نخبة من الفنانين العرب، بصالة البعد الثالث بفندق المريديان بجدة، وقام بالإشراف على العديد من المعارض التي تهتم بالمواهب الفنية وتقديمهم للساحة الفنية وأهمها معرض اللوحة الصغيرة، والواعدات، ولوحة في كل بيت، وبعض المعارض المناسباتية.

نشر قنديل تقارير إخبارية و مقالات وقراءات نقدية عديدة في بعض الصحف والمجلات المحلية، كجريدة الندوة، والبلاد، والمدينة، ومجلة إقرأ .

بعد أن قضى هشام قنديل أكثر من ثلاثة عقود بالمملكة العربية السعودية، عاد إلى موطنه الأصيل “مصر”، بخبرات متراكمة، نتيجة لإدارته صالات العرض وتسويق الأعمال، ليرد الدين إلى وطنه، الذي وصفه كالأم التي لا يمكن الوفاء لها مهما فعل، ولكن أصله الطيب ونشأته وتربيته، جعلته يحمل هم ذلك الدين لأكثر من ثلاثة عقود، ويحاول أن يرد جزءا منه، وهو الوفاء في أبهى صوره وأجلها، فسارع قنديل بإنشاء العديد من الصالات التشكيلية وتطلع إلى ظهورها في العاصمة والقرى، مساهمة منه للارتقاء بمستوى الأداء الفني الذي يتمتع بها أبناء مصر وخاصة الموهوبين، حيث تزخر مصر بالمواهب الإبداعية التي تحتاج إلى بيئة محفزة للاستمرارية في العطاء.

هذا الدور ليس للتنافس مع وزارة الثقافة المصرية أو الآخرين، ولكن باب للتكامل في البحث عن أفضل الطرق لخدمة الوطن والفن والفنانين بشكل أكثر إيجابية، حيث يشمل فعلا مكملا ومساندا لدور الآخرين الذين يتشارك معهم في التطلعات والأهداف المشتركة.

أشرف “قنديل” على اكثر من ألف معرض تشكيلي ، معارض المركز السعودي للفنون التشكيلية الخاصة والرسمية، معارض بيت الفنانين التشكيليين بجدة، معارض أتيليه جدة للفنون، معارض قاعة البعد الثالث، معارض الدار العربية للفنون، قاعة التراسينا بالإسكندرية، ضى المهندسين والزمالك والتجمع الخامس وأبو رواش.

ساهم قنديل في إنشاء صالة بيت التشكيليين بجدة، وأنشأ صالة أتيليه جدة للفنون، وأسهم في إنشاء صالة البعد الثالث ، وأنشأ صالتي ضي بالزمالك والمهندسين .

حظى هشام قنديل بتكريم مشرف من قبل الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة برئاسة الشاعر محمد الصبيح، ونال الوسام الذهبي بقصر الفنون، من قبل الدكتور محسن شعلان مدير قطاع الفنون التشكيلية، مع التكريم الخاص من قبل المهندس ورجل الأعمال السعودي لؤي حكيم، وتكريم من الشيخة الدكتورة سعاد الصباح بالكويت، وقد تنكر في جحود معظم من قام بدعمهم وتسويق منجزاتهم من فناني الجيل الأول حتى الجيل القادم، لم يفكروا ولو لحظة في الإشادة بما قدمه،
لذا أرفع القبعة احتراما للناقد ومدير الصالة ورجل الاعمال ( أبا محمد ) ، فقد حدد هدفه وسعى إلى تحقيقه .
وأخيرا ..
هذا ما جادت به نفسي للكتابة عن رجل عصامي وفنان مصري حفر اسمه في الصخر وحجز موقعا مرموقا في خارطة الفن والاستثمار في المجال الفني بكل احترافية واقتدار، كمجهود متواضع أتمنى أن يليق به كقامة ومقاما، فمن لا يعرف الصقر يشويه.

 أوبرا مصر  – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى