دراسات ومقالات

الجميلي أحمد فن الاستغناء.. حين يصبح الزهد أقوي اسلحتك

الجميلي أحمد فن الاستغناء.. حين يصبح الزهد أقوى أسلحتك!

أما بعد، فقد أدركتُ أن أعظم قوة يمتلكها الإنسان ليست في جمع المال، ولا في اعتلاء المناصب، ولا حتى في كسب المعارك، بل في الاستغناء. نعم، ذلك الفن الرفيع الذي يجعل الخصوم يحترقون غيظًا وأنت تمضي في طريقك، غير آبهٍ بزخارف الحياة التي يتقاتلون عليها.

لقد جربتُ كل شيء، وذقتُ مرارة التعلّق، ورأيتُ كيف يُذلّ الناس أنفسهم طمعًا في متاع زائل، لكنني حين تعلمتُ الاستغناء، شعرتُ وكأنني ملكتُ الدنيا كلها. صار المال عندي وسيلة لا غاية، والمنصب زينة لا ضرورة، والناس يأتون ويذهبون دون أن أضعهم في كفّة ميزاني. وحين رأى خصومي ذلك، أصابهم السقم! كيف لا، وأنا الذي كانوا يظنونني سأموت حزنًا على ما ضاع، فإذا بي أزهدُ فيه وكأنني ما عرفته يومًا؟

إنهم يحيكون المؤامرات، يتآمرون، يحسبون أنني سأجزع، أنني سأهرول لاستعادة ما فقدت، لكن خيبة أملهم كانت أكبر مما تخيلوا. لقد تعلمتُ أن ما يأتي بحيلة البشر يذهب بحيلة مثلها، وأن ما يمنحه الله لا يستطيع مخلوق أن يسلبه.

الاستغناء عندي ليس ترفعًا أجوف، بل هو إدراك عميق بأن الركض خلف الدنيا مذلة، وأن الإنسان كلما خفّ تعلقه بالأشياء، صار أثقل وزنًا في عيون الآخرين. إنهم يموتون غيظًا لأنني لم أعد بحاجة إليهم، لأنني أضحك بينما هم ينتظرون دموعي، لأنني حرّ بينما هم عبيد لما في أيديهم.

وما أسعدني بهذا الاستغناء! فكل شيء يصبح أجمل حين يكون خيارًا لا قيدًا، وحين أكون أنا سيّد أشيائي، لا هي التي تسيطر عليّ. ولأنني زهدتُ، فقد أغنانِي الله، وما أعظم هذا الغنى الذي لا تهدده خسارة، ولا ينقصه فواتُ فرصة.

فليحترقوا كمداً، فأنا الماضي في طريقي، غير ملتفتٍ إليهم، وغير مستعدّ لأن أبيع حريتي لأجل أوهامهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى