الرئيسيةمجتمع أوبرا مصرملفات وحوارات

الجميلي أحمد يكتب: الصليب والمثقف الزائف: حين تُفضَح الحرية على المقاهي

المثقف الذي يخشى الصليب لا يؤمن بالحرية

الجميلي أحمد يكتب: الصليب والمثقف الزائف: حين تُفضَح الحرية على المقاهي

المثقف الذي يخشى الصليب لا يؤمن بالحرية

 

في أحد أيام الفرح المشرقة، كتبت تهنئة بمناسبة “عيد القيامة المجيد” على صفحتي، واضعًا رمز الصليب تعبيرًا عن الاحترام، والمشاركة الإنسانية الصادقة. لم أكن أتوقع أن ينالني من ذلك ما نالني. إذ جاءني أحدهم، بهدوء يغلفه زيف الوعي، ليعاتبني قائلاً: “كان يكفي أن تُهنّئ، أما أن تضع الصليب! فقد صغّرك ذلك، يا أستاذ الجميلي”.

صدمتني كلماته لا لوقعها، بل لسذاجتها… أو لوقاحتها المغلفة بثوب الاتزان. قلت في نفسي: متى صار الصليب، رمز الإيمان والقيامة، مدعاة للصَغار؟ أليس هو نفسه الرمز الذي تشدق به طه حسين في حديثه عن الثقافة المسيحية؟ أليس هو الذي انحنى له الشعراء الكبار في لحظة دهشة من عمقه الروحي والفلسفي؟

والمفارقة الأكبر أن منشوري هذا، الذي كتبته بدافع المحبة والإنسانية، مرّ عليه كثير من أصدقائي، ولم ينبسوا ببنت تعليق. أناسٌ كُثُر ممن نعرفهم كأدباء ومثقفين وأصحاب “خطاب تنويري”… صمتوا. لا تهنئة، ولا حتى إشارة. وكأنهم يخشون أن يُحسبوا على المحبة. أو ربما خافوا من عبور صليبٍ على صفحتهم!

أولئك الذين ملأوا المقاهي والمواقع بكلامهم عن “حرية العقيدة” و”التعددية” و”الاختلاف”، صمتوا. هم الذين ما إن تشتعل قضية إبداعية، حتى ترى حناجرهم تلهث دفاعًا عن حرية التعبير. لكنهم هنا، أمام موقف إنساني بسيط، تراجعوا وابتلعوا ألسنتهم.

المثقف الذي يخشى الصليب لا يؤمن بالحرية

المثقف الزائف ليس من يجهل، بل من يدّعي. هو من يحاضر فيك عن “الحق في الاختلاف”، لكنه يعجز عن تقبل تهنئة موجهة للمسيحيين في عيدهم. هو من يكتب المقالات المملوءة بالشعارات، لكنه يذوب عند أول امتحان حقيقي للضمير. الحرية بالنسبة له خطاب للمنابر لا سلوك في الحياة. هو كمن ينشد أغنية عن المطر، لكنه يهرب من أول قطرة!

هؤلاء لا يؤمنون إلا بصورهم أمام الكاميرا، لا يُخلصون إلا للـ”لايك” و”الشير”، ولا يعرفون من المسيحية إلا صلبان الكنائس حين تُلتقط صورهم بجانبها في السفرات الأوروبية. لكن حين تضع صليبًا في منشور تهنئة، يُهرعون خائفين… كأن الصليب يفضح زيفهم!

في زمن كهذا، نحتاج إلى شجاعة المحبة، لا فقط شجاعة الرأي. نحتاج إلى الصليب كرمز لا للمسيحية فقط، بل للصدق، للثبات، للقيامة من موت الضمير.

فيا من عاتبني، شكراً. لقد جعلتني أتيقن أنني فعلت الشيء الصحيح. وضعت الصليب، لا لأتفاخر، بل لأقول: نحن نؤمن بإنسانية الإنسان، مهما اختلفت عقيدته، ولا نخاف من رمز، لأن قلوبنا لا تخشى النور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى