محمد رضوان يكتب عيد السيدة العذراء.. حينما تنحني القلوب للنور

في ليالي أغسطس المضمخة بالبخور، حيث تختلط أصوات الترانيم بأجراس الكنائس، يولد العيد من جديد. عيد السيدة العذراء ليس مجرد تاريخ على ورق، بل هو وعد قديم يتجدد، وحكاية أمٍّ حملت النور بين ذراعيها، ومشت به عبر صحراء مصر حتى باركت ترابها وملأته حياة.
كأن السماء في هذا العيد تقترب أكثر، تُصغي للصلوات الهمس، وتضيء ليل المدن والقرى بذكريات قديمة. كل مكان مرّت فيه العذراء صار شاهدًا على المعجزة: بئر ماء، أو شجرة احتمت بظلها، أو حجر شهد خطواتها. ولهذا، حين يحل العيد، يتناثر النور في القلوب قبل المصابيح، وتُفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها.
الناس يلتقون في حضرة أم النور، مسلمين ومسيحيين، كأن العيد يجمعهم على مائدة واحدة من المحبة. النساء يربطن الخيوط البيضاء على الأبواب، الأطفال يحملون شموعًا صغيرة، والعيون ترتفع إلى السماء تنتظر تجلٍّ أو علامة. كأن كل قلب يهمس: “يا مريم، كوني معنا كما كنتِ دائمًا، سيدة الرحمة والسكينة.”
وعيدها ليس مجرد ذكرى بعيدة، بل حضور متجدد. هناك من يقسم أنه رأى طيفها يضيء قباب الكنائس في الليل، وهناك من يروي رؤيا، أو حلمًا، أو لمسة دفء أزالت خوفًا قديمًا. وكأن العذراء لا تزال تعبر الدروب، تخطو بين البيوت، وتترك وراءها أثرًا من طمأنينة وسلام.
في عيد السيدة العذراء، يتعلم القلب أن الحكايات ليست للتاريخ وحده، بل للحياة اليومية أيضًا. إنها قصة عن النور الذي لا ينطفئ، عن الأم التي تحمل العالم كله في قلبها، عن العيد الذي لا يشيخ مهما مرّت السنوات. هو عيد لا يُحتفل به بالطقوس فقط، بل يُحتفل به بالحب الذي يملأ الأرض والسماء معًا.