أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

الصديق الأيسري يكتب تحليل عام لقصيدة “شذرات” لعبد السادة البصري


(( شذرات ،،))

إكتحلت عيناي بالضوء
وهو يدغدغ أغصان السدرة
ليحنو على قطرات الماء
ويلثم (ناقوط الحِب)،،،
من هزّتها للسدرة أمي،،،
تساقطت الكلمات
فجمعتها حرفا وحنانا
لأكتب أولى قصائدي. …
…………
صدرها مخبأ اليتامى وعابري السبيل
وحجرها مأوى التائهين ومدمني الارصفة
لتنويمتها ألف صلاة….
وحملها آلاف من السنين
ثقال/خفاف
ممطرات/كالحات
سمان/عجاف
عند ابوابها تنكسر الريح،
وعلى شرفاتها…تنام العنادل،
وموسيقى الناي !!
………….
…. السابغة علينا بنعمائها،
وريثة الملح والماء
بعباءتها تنام الفجيعة،
وعلى اهدابها يبحر الامل
عندما تفتح ذراعيها تجيء العصافير !!
…..
خلف الكواليس… يبيعونك الآن،
صافحتك الكوابيس/شاهد فجيعة،
وبكم قميصك…نامت المتاهات ،
لكنك أرق من نسمة !!
…..
اندفعي…
اندفعي بعيدا عني
ايتها الغيوم الرعناء،
لا سقف عندي..
ولا حائط كونكريتي،
وثيابي مهلهلة …تأخذها الريح بعيداً،
تجوب بي اقاصي البرد،
البرد يخترق عظامي…
يخترقني،
وانا المحاصر بين أرصفة،
وحكاياتٍ مللتها….وضياع !!

### **تحليل عام لقصيدة “شذرات” لعبد السادة البصري**

يُمكن قراءة هذه القصيدة على أنها رحلة في عالم الذاكرة والشعور، حيث يمزج الشاعر بين صور الطبيعة المجردة والرموز الإنسانية العميقة. يبدو النص كأنه مجموعة من اللوحات المتصلة لا تتبع بناءً قصصيًا مباشرًا، بل تعتمد على تدفق الأفكار والمشاعر.

### **1. الشذرة الأولى: ميلاد الشعر والذاكرة**

تبدأ القصيدة بصورة شعرية حسية: “اِكتحلت عيناي بالضوء / وهو يدغدغ أغصان السدرة”. هذه الاستعارة تمنح الضوء حياة وحركة، وكأنه كائن حي يُداعب الطبيعة. الضوء هنا ليس مجرد إضاءة، بل هو مصدر إلهام يوقظ الحواس.

* **ناقوط الحب:** هذا التعبير له وقع خاص. “الناقوط” هو ما يتساقط من الماء قطرةً قطرة، و”الحب” هو القِربة التي تحتفظ به. هذه الصورة تُعبر عن عملية بطيئة ومتواصلة، وكأن الشعر يتشكل قطرةً قطرة من مصدر عاطفي عميق (الحب).
* **هزّة أمي:** هنا تتدخل الذاكرة الشخصية، حيث تُصبح الأم هي الشرارة الأولى التي تُسقط الكلمات من شجرة الذاكرة. الأم هي رمز للعطاء، وهذا يربط عملية الإبداع بالحب والحنان، مما يُضفي على الشعر قيمة إنسانية أساسية.

### **2. الشذرة الثانية: الأم كرمز للوطن والأمان**

هذا المقطع يرتفع بالصورة من الأم الشخصية إلى رمزية أوسع. “صدرها مخبأ اليتامى” و”حجرها مأوى التائهين” تُحوّل الأم إلى ملاذ جماعي، رمزًا للأرض أو الوطن الذي يحتضن الضعفاء والمهمشين.

* **التناقضات:** يستخدم الشاعر هنا مجموعة من التناقضات لتصوير عمق هذه الرمزية: “ثقال/خفاف”، “ممطرات/كالحات”، “سمان/عجاف”. هذه الثنائيات تُجسّد تقلبات الحياة التي مرت بها هذه “الأم”، مما يُعطيها بُعدًا تاريخيًا وإنسانيًا.
* **رمزية القوة والأمان:** “عند أبوابها تنكسر الريح” هي صورة بليغة تُعبر عن قدرتها على حماية من يلجأ إليها، بينما “على شرفاتها… تنام العنادل، وموسيقى الناي” تُشير إلى السلام والجمال الذي يُصاحب هذا المأوى.

### **3. الشذرة الثالثة والرابعة: الرمزية والواقع المرير**

تُكمل القصيدة بناء الرمزية في المقطع الثالث: “وريثة الملح والماء” تُشير إلى أصالتها وقدمها. لكن الشاعر يُقدّم تناقضًا مؤلمًا: “بعباءتها تنام الفجيعة”. هذا يكسر صورة الأمان المطلق ويُدخل الواقع المؤلم، حيث يوجد الألم إلى جانب الأمل “وعلى أهدابها يبحر الأمل”.

* **خلف الكواليس:** يأتي هذا التعبير ليُشكّل صدمة في السياق الشعري. فجأة، ينتقل الشاعر من عالم الرمزية إلى واقع الخيانة والخيبة: “يبيعونك الآن”. هذا التحول المفاجئ قد يُشير إلى خيانة شخصية أو وطنية، وكأن هذا الكائن الجميل (الأم/الوطن) يُباع ويتعرّض للخيانة.
* **التيه والهشاشة:** تُعبر جملة “وبكم قميصك… نامت المتاهات” عن صمت هذا الكائن وعجزه عن الكلام، وهو ما يزيد من إحساس الفجيعة. أما النهاية “لكنك أرق من نسمة” فهي تُظهر هشاشة هذا الكائن على الرغم من قوته الظاهرة.

### **4. الشذرة الأخيرة: اليأس والمواجهة**

ينتهي النص بنداء مباشر وحاد: “اِندفعي… اِندفعي بعيدا عني / أيتها الغيوم الرعناء”. هذا المقطع يعكس حالة من اليأس والمرارة. الغيوم هنا قد ترمز للهموم أو للماضي الذي يُثقل كاهل الشاعر.

* **الضعف والهشاشة:** “لا سقف عندي.. ولا حائط كونكريتي، وثيابي مهلهلة” هذه الصور تُجسّد حالة من الضعف المادي والنفسي. الشاعر بلا حماية، مُعرّض للبرد والمتاهات.
* **الخاتمة:** “البرد يخترق عظامي… يخترقني، / وانا المحاصر بين أرصفة، / وحكاياتٍ مللتها…. وضياع” تُختتم القصيدة بصورة قوية للضياع والبرد الوجودي. الأرصفة تُشير إلى التيه، والحكايات المملة إلى تكرار الألم، والضياع هو الشعور الذي يُلخص التجربة كلها.

**في الختام،** تُعتبر هذه القصيدة تجربة شعرية مكثفة تستخدم الرمزية واللغة الحسية للتعبير عن مواضيع مثل الذاكرة، الوطن، الأمومة، الخيانة، والضياع. إنها لا تروي قصة بقدر ما ترسم صورًا متفرقة لكنها مترابطة عاطفيًا، مما يترك القارئ أمام مساحة للتأويل الشخصي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى