رؤى مسعود جوني في حوار مع د. محمد فتحي عبد العال

أوبرا مصر
مخزون علمي ادبي معرفي تاريخي ديني ، خُط بقلم غزير الإنتاج وكأنه يصارع الجهل منفردا، لتصل عدد مؤلفاته لأكثر من خمس وعشرون مؤلفا، وعشرات المقالات في مجلات مختلفة، كل ذلك خلال حقبة زمنية لا تعتبر طويلة
أحببت أن أطرح أسئلتي على كاتب استثنائي في مشروعه وهو الكاتب الدكتور محمد فتحي عبد العال، طرحت بعض الأسئلة الجريئة غير التقليدية عليه
س1: من المعروف بأن كتاباتك الأدبية يغلب على طابعها النفس المعرفي والعلمي فما الذي يشدّك لعالمه أكثر الأدب أم العلم؟
بالتأكيد الاثنين معا فأنا أصدق العلم واحترمه وأجعل له دوما اليد العليا في الفصل في الأمور الجدلية والشائكة.. فالعلم هو صوت العقل ولسان المنطق وبدونهما تصبح الساحة الثقافية نهبا للخرافات والرؤى السطحية و الساذجة.
وما من عمل لي وإلا وبه مساحة علمية ومعرفية حتى تتحق للقارىء الفائدة القصوى وهنا مبتغاي الأساسي.
س2ما هو مشروعك الذي ترغب ببنائه ووصوله للناس من خلال هذا دمج العلم بالأدب
هو تقديم مفهوم جديد للمنهج الإبداعي الذي يجمع للعمل الحسنيين حينما يمزج العلم بالأدب فالعلم هو عقل العمل ووجهته وتماسك منطقه والأدب جسده وردائه ورقة بيانه..
س3 ما العمل الأقرب لقلبك والذي بإنجازه شعرت بأنك تقترب لهدفك؟
كتاب” رواق القصص الرمضاني” فقد شعرت معه أنني استطعت أن أقدم مشروعا ثقافيا متكاملا يقدم قراءة جديدة في محراب التاريخ برؤية الآخر الذي توارى في زحام الصوت العالي والزيف أحيانا أو غيبه الموت المبكر حتى أصبح لكل حدث صوت واحد ينتصر لوجهة واحدة تحفظ استقراره في نفوس المثقفين المعاصرين والعوام على السواء حتى أصبحوا يرددون وقائع تاريخية بنظرة أحادية التفسير لا حيود عنها ولا انقطاع ولا جرأة على إعادة البحث فيها أو الاقتراب منها وقد صارت من المسلمات الجاهزة المحفوظة واستعنت في إعادة قراءة الحوادث بأرشيف الصحافة المصرية الذي جعلني أعايش الحدث في حينه وأرى صانعيه عن كثب واستشعر زخمه بين مؤيد ومعارض وكثيرا ما أجد أن كلاهما على حق.. وهذا الفهم في اعتقادي بداية التحول للاستفادة الفعلية من التاريخ واستيعاب دروسه الحقيقية دون ميل أو محاباة.
كما كان الكتاب البداية لي لتحكيم العقل والمنطق بجرأة في تفسير الحوادث ونقد ما يشوبها من أوهام وأفكار ملتبسة و مغلوطة وعلى هذا المنهج سرت في كتابي التالي ” بلوغ المرام في أحداث ووقائع رمضان ” وصولا لكتابي الأخير ” أوراق مطوية ” الذي طرحت فيه تساؤلات بشكل غير مسبوق في قضايا جدلية محاولا الاقتراب من الوصول إلى إجابات شافية وأقرب إلى مجرى الحوادث ومعطياتها وتداعياتها الفعلية والمتوقعة في أزمنتها.. الرهان على العقل في ظني دائما رهان فائز وأنا أعشق الفوز المقترن بارتياد دروب الرحلات العلمية الوعرة والشاقة والجهاد في النهوض بعد عثراتها وما أكثرها ..
س4 كتبت وبحثت في التاريخ هل للبيئة المصرية أثر في ذلك؟
البئية المصرية بالتأكيد كانت البداية وأوائل كتبي اقترنت بالتاريخ المصري ولا زالت ومنها تشعبت إلى عصور تاريخية مختلفة شرقا وغربا..
إنني صنيعة البيئة المصرية وتاريخها الممتد جزء لا يتجزأ من كياني فجدي الريفي البسيط الذي استطاع عبر ريع فدادين بسيطة حصل عليها من الإصلاح الزراعي أن يلحق ابنه ( والدي) بالجامعة ولولا هذا ما كنت أنا كامتداد لأبي وجدي في هذه المكانة وهذه المنزلة..
لقد منحني التاريخ المصري الكثير من القيم والمعاني وجعلني في موضع الجراح الذي يشرح أسباب العلة ويحسن تقييم أصحابها في كل مرة يعيد فيها قراءة التاريخ في مراحل سنية متفاوتة وطويلة تخللتها الكثير من المراجعات واستلهام الرؤى باعتدال وهدوء نفسي ودون تأثر بأحكام مسبقة.
س5 ما رأيك بوضع الأبحاث العلمية والأدبية في واقعنا العربي؟ وهل أثرت الجوائز والمؤتمرات تأثيرا إيجابيا في هذا الجانب؟
لا يوجد بحث علمي بالمعنى الحقيقي في مجتمعاتنا العربية خاصة حينما نتحدث عن الدراسات الأدبية والتاريخية التي تتخذ مسارات ثابتة وتقلد بعضها البعض في أهدافها وأفكارها ونتائجها المتفق عليها سلفا للدرجة التي جعلتها أشبه بالتأدية لا الفكر والإبداع ..
وعادة ما أحضر المناسبات الأدبية التي تتخذ مسمى ” مؤتمرات ” و” محافل التكريم بالجوائز ” من باب المجاملة ومجاراة الواقع خشية العزلة والاتهام بالاستعلاء وقد استقر في ضميري عبثيتها الشديدة ودون اقتناع حقيقي بجدواها.. فهي أشبه بكرنفالات احتفالية، بهلوانية،صاخبة تخلو من القيمة ولا تضيف لأصحابها مكانة ولا للحدث شأن .. لأن المكانة الحقيقية تنبع من قيمة النتيجة المرجوة وثقل الفعل التنفيذى وريادة الفكرة المرسومة والمخطط لها والفهم الحقيقي للقيادة الرشيدة والشورى وحسن العمل بعبر التاريخ لو صح فهمه وتغليب العلم على العاطفة لو صدق نبعه ، وضع تحت باب العلم العديد من المفاهيم التي لو اتسعت لها العقلية العربية مما سبق لتقدمت وسادت ولكن هيهات هيهات أن تسمع الصم الدعاء.
س6 كتبت مجموعة قصصية موجهة للأطفال بأسلوب علمي هل ترغب بإثراء هذه التجربة والكتابة أكثر للطفل؟
طبعا قدمت بعض المجموعات القصصية المشتركة الموجهة للأطفال والنشء مع عدد من الكتاب من العالم العربي لأضمن لهذه التجارب الانتشار المستحق وكثيرا ما أفكر في المزيد من المشروعات في هذا القبيل فالأطفال هم الجيل القادم الذي عليه عبء بناء المستقبل والذي لن يتحقق بدون فهم حقيقي للتاريخ والتدريب على أدوات استيعابه واستكشاف دروسه ولن يتحقق أيضا بدون فهم أن المستقبل للعلم ومعه وبه يصبح لأوطاننا شأن أخر في مصاف الأمم المتقدمة والمدنية الحديثة.
س7 هل تعتقد أن التشعب بالكتابات في مجالات مختلفة يثري قلم الأديب أم يشتته ويمنع من أن يحمل قلمه طابعا أدبيا يميزه؟
لا اعتبره تشتتا بل تنوعا فكل ما درسته من مجالات متصلة ومنفصلة ومارسته من أعمال متنوعة طوال مسيرتي المهنية الطويلة قد أضاف إلي وزادني خبرة وعمق في قراءة المشاهد وتأمل الحوادث الحالية منها أو الماضية.. هذا ما انعته دوما بالتراكم المعرفي المطلوب للكاتب كي يصقل قلمه وينمي مهاراته.
وألخص تجربتي التي اعتز بها وأفاخر بها بأني قلم علمي لديه إيمان بفكرة..استطاع أن يصهر التاريخ بالعلم بالأدب بالدين في بوتقة واحدة وأن يضطلع بالتطبيق العملي لتجربته عبر ما يربو على أربعين كتابا لي في مجالات شتى تزين المكتبة العربية وحرصت على أن تكون حاضرة في المعارض الدولية عبر العالم وأن تكون مترجمة بالعديد من لغات العالم .
س8 انت صيدلي حاصل على دبلوم الجودة فهل دخولك أدبيا لمجالات أخرى ليست من دراستك تجعلك في مرتبة أقل من المختصين في هذه المجالات؟ ومال الجديد الذي يمكن لك أن يقدمه محمد فتحي عبد العال في عالم يضج بالإعلام والميديا والشهادات العليا.
بالعكس أجد نفسي على قدم وساق مع المختصين في أي مجال كتبت فيه فقبل أن اكتب دائما ما اتجه إلى الدرس العميق ولو استغرق سنوات والقراءة المتأنية وفق منهج علمي بناء وفكر واضح خلاق قبل أن استل قلمي لأعرض أو انقد قصص تاريخي أو أعالج موضوع معين في قالب قصصي أو مقالي أو روائي.
وحاليا استثمر أدوات عصري واستخدم الذكاء الاصطناعي في الترويج والنقد والدعاية والترجمة لأعمالي بكل السبل والأشكال.