الجميلي أحمد يكتب (علي فاروق): بين البساطة والشاعرية
الجميلي أحمد يكتب (علي فاروق): بين البساطة والشاعرية
الجميلي أحمد يكتب (علي فاروق): بين البساطة والشاعرية
من أهم سمات شعر العامية المصرية، البساطة في الطرح. ولقد أثبت التاريخ منذ العصر العثماني الذي انتشر فيه أحمد بن محمد بن عبد الله، الشهير بابن عروس، الشاعر العربي الذي كتب العامية المصرية وعاش في صعيد مصر، وبالتحديد في مركز قوص بمحافظة قنا، ولقد سردت لكم سيرة هذا الشاعر في كتابي “إطلالات على شعر العامية المصري”، فكانت البساطة سببًا في انتشاره، ولعل مَن يكتب شعر العامية المصرية عن تجربة حقيقية لا بدّ وأن يكون بسيطًا في تناوله لمفرداته؛ فكل ما وصلنا عن ابن عروس أنه تحول مِن قاطع طريق إلى حبيب هائم بمحبوبته التي كانت تصغره سنًا، فكتب لنا أجمل المربعات. إذًا صِدق المشاعر لا يمكن أن يكون فيه تقعيد أو غموض.
وشاعرنا الذي نتناوله اليوم هو شاعر يتميز ببساطة الكلمة، كما أنه يتميز بخفة ظله، وقبول الأخر له ولروحه المرِحة، وكرمه وعطائه لكل مَن يحتاج إليه، يتميز بصدق في مشاعره في الكتابة، علاوةً على أنه شاعر ارتجالي مِن الطراز المتميز، ولعلني أختلف معه في أنه في كثير من الأوقات يهدر إبداعه الارتجالي بعدم جمعه. وهو مقدّم جيد لكثير من الأمسيات الشعرية؛ حيث إنه يستجمع فيها روحَه وخفة ظله، فيحدِث بهجة في الحضور بشكلٍ يجعل حاضري أمسياته وندواته التي يديرها لا يغادرون أماكنهم إلا بعد انتهاء الندوة أو الأمسية بساعات. إنه شاعر البساطة (علي فاروق علي رجب) الشهير بـ علي فاروق، الذي تميز ببساطة حروفه ورقة صوره الشعرية، فكان شاعر البساطة المحببة
يقول في قصيدة “اشتاقني”:
“أنا مش قابل منك غير
تبقى النبض اللي بيشتاقني
زي ماقلبي بيسكنه نبضك
وعرفت مني تسرقني
مطلوب منك حاجة بسيطة
إشتقتك واجب تشتاقني
…..
اشتاقني في بحرك غرقني
إوعاك مرة تقول تلحقني
زيد في دلالك قد ماتقدر
اهجر
ابعد
وكمان أغدر
طيفك عمره في يوم ما فارقني”
انظروا معي إلى عنوان القصيدة، وهو “اشتاقني” ستجد الكلمة مستحدثة، وأظنها أنه اشتقها وحدَه دون غيره؛ فبعض المفردات، وبخاصة في مفردات العامية المصرية، تظهِر ثقافة مستخدمها، وبخاصة إذا كان الاشتقاق جديدًا علي أذُن المتلقي.
أمّا القصيدة، ورغم قِصرها، فتعطي دفقة شعورية كاملة الدسم، يبدأها بطلبه حيث يقول:
“أنا مش قابل منك غير
تبقي النبض اللي بيشتاقني”
أظن أن السطرين قمة في البساطة، لكنه استطاع فيهما أن يخطف المتلقي ويجذب انتباهه إليه، وأظن أن الشاعر الذي يستطيع فِعل هذا بسطرين شعريين بسيطين يكون شاعرًا مجيدًا، ثم يختم قصيدته أبسط مما بدأها فيقول:
“زيد في دلالك قد ماتقدر
اهجر
ابعد
وكمان أغدر
طيفك عمره في يوم ما فارقني”
علي فاروق شاعر له تواجده في الوسط الثقافي بشكلٍ ملحوظ، وكما ذكرت لكم في بداية إطلالتي هذه أن روحه جاذبة وخفة دمه تصنع منه شاعرًا محبوبًا، وإليكم هذه اللقطة القصيرة من شعره تؤكد أنه شاعر يتميز بروحٍ صافية، يغازل أصدقاءه علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك فيقول لهم صباحكم دوت كوم، ثم ينتقل بهم بمقطع شعري قصير جدًا مغازلاً محبوبته فيه فيقول:
“احضني كفي بإيدك
سكني نبضي بوريدك
خلي شمس الدنيا تضحك
ابتسم وأقول ياسيدي
إمتى تيجي اللمسة تاني؟!
إمتى تتلاقى بحناني؟!
إمتى يوم ليها تزيدي؟”
البساطة هي الملمح الرئيسي في كل كتابات علي فاروق، أقصد الأستاذ علي فاروق، وبين علي فاروق والأستاذ علي فاروق مفارقات كثيرة، فهو كما قلت سابقًا بسيط حتى في شخصيته، لكنه يمزح مع أصدقائه في إدارته لندواته، فإنْ شَكره أحد الشعراء وقال علي فاروق يردّ مداعبًا القائل: “لو سمحت أنا الأستاذ علي فاروق!”
إنها خفة الظل يا سادة، وخفة الظل هذه منحة من الله لا يملكها الكثير منا، فقدْ تجد شخصًا يتصنّع هذا الخفة فلا تقبلها منه؛ لأنها مصطنعة، لكن الشاعر علي فاروق يملكها بمنحة ربّانية.
ويلاحَظ هذا في كتاباته، فيقول وهو يحوم بيننا بخفة دمه في قصيدته “مع الاعتذار للحمار”:
“معالي المبجل جناب الحمار
إليك ابن آدم مدين باعنذار
فكم ذا ظلمتك بكل اقتدار
قالوا لك بإنك حكيم الزمان ده
وإنك في كل الحاجات مستشار
ومايخيبش ظنك
ياقولك!
يافنك!
وقيمة وسيما بكل اقتدار
عرفتك فهمتك
لقيت إن مامتك بتاعة خضار
في كل المناهل
بتفتي ياجاهل
وتعوج رقبتك ياقلبك! ياطيبتك!
وجلدك محار
ياحالتك في وصفك
وعقلك ما ناصفك
غباوة تكفي ميتين ألف حافر
مع اعتذاري أكيد للحمار:
ويقول أيضًا في قصيدته “باحبك”:
“باحبك وانتي عصبية
واحبك وانتي نكدية
واحبك لو مافيش غير فول
وكام لقمة بطعمية
…..
باحبك حسنة وأنا سيدك
وأعيش عمري لتمجيدك
هادوق المر على إيدك
وأقول الطعم عسلية
…..
باحبك وانتي كاسياني
بتوب شفٌاف
ومايغطي سوى الأكتاف
باحبك وانتي عاصياني
في كل طواف
فأقول القبلة مش هيه
…..
باحبك وانتي يابهية
مثال في الفهم وذكية
فليه عني مولِية؟!
مخبية الأسى ليّا
معايا ليه مغبيٌة؟!
وغيري بتسقي حنية
……
فمهما تعملي فيّا
هاحبك ضي لعينيا
وخير لبناتي وبنيّا
وأجاوب كل مين يسأل
حبيبتك مين؟!
هاقول هيه”
هكذا يؤكد على فاروق شاعريته وخفة ظله.
ولا أخفيكم سرًا أن المتابع لكتابات علي فاروق سيجد أن الأغنية مسيطرة عليه بشكلٍ واضح وملحوظ، ولعل معظم شعراء العامية الذين يتميزون بالبساطة في كتاباتهم تأخذهم بساطتهم إلى عالم الأغنية، وأظن أننا جميعًا لن نسمع من قبل عن أغنية يذهب كاتبها إلى الغموض، لكنه يذهب إلى مفردات تمتاز بالبساطة، وعلي فاروق واحد من الشعراء البارعين في كتابة الأغنية
يقول بطلنا:
(موال)
“أبطالنا …
خلاص بطلنا
ماعادتش حاجة تعطلنا
وبطلنا…
…..
فياريت من روسنا نشيله
كلام الحب وتمثيله
لو قابلك يوم الخاين
هجرك عبيه وإديله
قول له منك ياما طالنا
وبطلنا…
….
فكره بالحب وسيرته
وبأيامه ولياليه
وإنك حبيت واخترته
وماخدتش غير تعاليه
وعليه قول له
بطلنا
…..
قول له القصة مش صد
الحب دا أخد ورد
في الأول وشك وشك
في الأخر بيكون وشك
علشان كدا أهه
بطلنا
بطلنا اللي يعطلنا”
ليس هذه الأغنية فحسْب، فـ لفاروق عشرات الأغنيات التي يصل بها إلى قلوب محبيه وتلاميذه.
عزيزي القارئ: هذا هو الشاعر علي فاروق، وهذه إطلالتي لعلّي أكون قد وصلت فيها لتوضيح أو تعريف بشاعرٍ حقيقي.