عبادة النعم …. السيد سعيد علام
أن المال والبنون زينة وفتنة فى هذه الحياة الدنيا .. ففي المال جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا، وقد تنقلب هذه النعمة على صاحبها شرًا، وتتحول إلى فتنة ربما يفتن بها في دينه، ما يصل به إلى سوء المصير والخاتمة.
يقول الإمام عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي النّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى. قال يحيى بن معاذ: مصيبتان للمرء في ماله عند موته لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما.
قيل : ما هما ؟. قال : يؤخذ منه كله، ويُسأل عنه كله.
فدائما (الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
شُغل بعض الناس بطلب الرزق، وبالغ البعض في بذل الأسباب المشروعة وغير المشروعة، وتشاغلوا عما خلقوا من أجله. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) [ الذاريات:56].
قال الحسن البصري: كثيراً ما وجدنا من طلب الآخرة وأتته الدنيا ولكننا لم نجد من طلب الدنيا وأتته الآخرة. قالﷺ“((لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ؛ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ))” . فلو وعى الإنسان هذه الحقيقة لطابت نفسه وسكن قلبه ولم تذهب حياته حسرات على فوات نصيب من الدنيا.
فإن أعطي بعد أخذ الأسباب شكر وإن منع حمد الله و صبر .
*يقول ابن الجوزي رحمه الله:الدنيا أعظم سحرًا من هاروت وماروت، فهاروت وماروت يفرقان بين المرء وزوجه، أما الدنيا فإنها تفرق بين العبد وربه. فاذا كثُرت عليك الفتن، فتذكر أن القرآن سيثبتك على الحق:( كذلك لنثبت بهِ فؤادك )
*وأعلم أن القلب المطمئن أعظم من القلب السعيد، لأن السعادة وقتيه، والطمأنينة دائمة حتى مع المصيبة، ومن أعظم أسبابها ذكر الله:(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
*فلا تجعلوا فهمكم للرزق يتوقف عند حدود المال والبنون، بل إن أجمل الأرزاق سكينة الروح، ونور العقل، وصحة الجسد، وصفاء القلب، وسلامة الفكر .
قال رسول الله ﷺ: تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ.
(فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16] وهذه يعتبرها إهانة .. فالواجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، إن أعطي شكر، وإن منع صبر، فهو راضٍ على ربه في جميع الحالات، فلما كان هذا الرجل رضاه لغير الله وسخطه لغير الله، وكان متعلقاً بالمال، بالمتاع، أو بالرئاسة، أو بالصورة، أو بأي شيءٍ من أهواء النفس، فهذا عبد ما يهواه، وهذا هو الرق في الحقيقة، ولذلك سماه عبداً، فكل ما استرق القلب واستعبده، فهو عبده، صاحب هذا القلب عبد لهذا الشيء.
قال الله ﷻ : ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾
آية كافية لتزيل همّ تربية الأبناء؛ بأن يعمل الأب على إصلاح نفسه!! .. فإن أردت الحياة الطيبة لذريتك؛ فكن صالحاً في نفسك، عندها سيتولى الله أمر رعايتهم حتى لو لم تكن معهم؛ فاستقامتك رزق لهم!! .. فإن الله يحفظ الأبناء بعد وفاة الأب، بسبب صلاحه!! .. واعلم بأنه لا يعيب الصالحين أن تكون لهم كنوز.
▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣
➌ لماذا تمنى صاحب الجنتين (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا)(الكهف/42) أنه ضياع ثروته، بالتكبر وانكار فضل الله عليه وعدم شكره عليها .. فاصبحت جنته خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا.
أن الإيمان هو الثروة الحقيقية، فليست الثروة المالية قيمةً حياتيةً كبيرةً بعيداً عن الإيمان ومسؤوليته، فصاحب الجنتين قد بدأ الحوار مع صاحبه من موقع الإحساس بالقوة والفوقية والامتياز، بسبب ما يملك من كثرة المال والأتباع، فكان خطابه ـ معه ـ ينطلق من محاولته لإخضاعه نفسياً، بمواجهته بواقع الفارق الكبير بينهما، وتميزه عنه.
هناك منزلقات انفتاح الدنيا من أوسع أبوابها:تأتي الدنيا لبعض الناس من أوسع أبوابها، هذا يتفوق في عمله، وهذا يجمع ثروة طائلة، وهذا يعلو في مراتب القوة، إلى أن يصبح من الرجال القلة الذين يشار إليهم بالبنان، وهذا يمتلك أملاكاً عريضة، فمجال التفوق في الحياة متنوع، هناك تفوق مادي، وتفوق مالي، وتفوق علمي، وتفوق من حيث القوة.
فما الذي يحصل حينما تأتي الدنيا للإنسان من أوسع أبوابها؟ يظن الإنسان أنه استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه بذكائه وخبرته، ودهائه، وحكمته، وعلمه، وبراعته، وكياسته، وحذلقته .. تنزلق إلى الهاوية حين يغيب عنك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي سخر لك ذلك، وسمح لك به، وأنه لا يقوم شيء على وجه الأرض إلا بإذنه، وعندما تتوهم أن ما حصلته كان من عملك ينطبق وهمُك على ما قاله قارون وفرعون:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾( القصص : 78)
﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾(الزخرف : 51)
صاحب الجنتين لم يكن مُشركاً بالمعنى الذي يعرفه الناس، حين يدعي أن هناك إلهاً آخر، ولكنه الإشراك العملي، الشرك الخفي، شرك الأسباب .. يقول ﷺ:(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمالاً لغير الله ))
▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣▣
﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾(الكهف/39
يفقد الإنسان في ثانية واحدة كل شيء، فلو تجمدت نقطة من الدم في بعض شرايين الدماغ فإنه يفقد ذاكرته، وينسى، ويودع في المستشفى، أين بيته، ومركبته، وزوجته، وأولاده، ومتجره، أين نزهاته؟ وسهراته، وحفلاته؟ .. طويت كلها.
يجب أن لا ينسى الإنسان فقره إلى الله، وإياك أن تغفل عن مشيئة الله، فهي كل شيء، كما ورد في الحديث القدسي أن الله قال لداود عليه السلام:(أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد، كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد)
﴿ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾
•• ┈┈•┈┈••✦✿✦••┈┈•┈┈••••
﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً﴾
يُكتب على بعض الأبنية ” ما شاء الله “، ولهذا أصل في كتاب الله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فإذا دخل أحدنا إلى بيته أو متجره، أو ركب مركبته، أو شاهد أولاده، أو زوجته، فلا يتوهم أنه حصّلَ هذا بذكائه، فليوحد، وليشكر الله عز وجل على أنه أولاه هذه النعم. فهناك إنسان يتغذى بالمصل لمرض أصاب جهازه الهضمي مثلاً، فهو يتألم ألماً شديداً، وهكذا….
فكل شىء يتم بمشيئته سبحانه وتعالى، ولم يندم صاحب الجنتين على شرك الاسباب مع المولى عز وجل الا عندما احيط بثمر جنته، ولولا ذلك لتمادى فى شططه وعدم قبول نصيحة صاحبه بتقديم المشيئة.
فمن أيقن بـقوله تعالى {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} لن يغره العطاء، ولن يهوله المنع .. لأن منع الله عطاء، فالتعلق بالله هو الأمن الذي لايصحبه خوف، والطمأنينة التي لا يشوبها قلق، والتوفيق الذي لا ينقطع، فما دام الله معك لا يهمك شخصًا آذاك، ما دام الله معك لا تحزن على أحد أهملك، وما دام الله يريد لك شيئًا فلن يقف في وجهك شيء أبدًا، كُن مع الله يكُن معك كل شيء.
دائما طمئن نفسك بهذه الجملة :”ليس رزقي” هذه الكلمة تُخمد في داخلك كل عواصف التحسر والتمنّي في كل مرة تبذل فيها وتسعي للحصول على شيء ثم يحال بينك وبينه.. لقد أردتُّ.. وسعيتُ.. وأراد الله غير ذلك.. تأدَّبْ، فأنك في حضْرَة قضَاءِ اللهِ.
فمهما كانت حاجة الناس” للشمس” فهي تغيب كل يوم دون أن يبكي أحد لفراقها لأننا نعلم بأنها ستعود هذه هي ” الثقة ”
أتثقون في عودة الشمس! .. ولا تثقون في قول الله تعالى:
(إن مع العسر يسرا)” حتما سيفرجها ” الله ” ما دمنا واثقين بوعده سبحانه.