إبراهيم عبد المجيد يَكتُب : علم الخيال .. لسعدني السلاموني
سعدني السلاموني شاعر عامية من طراز خاص له تقريبا عشرة دواوين وثلاث روايات شعرية قرأتها كلها مع الزمن إن لم يكن معظمها. في قصائده خروج عن المألوف وصور شعرية جريئة وكان هذا أحد أسباب تعرفي عليه منذ أكثر من عشرين سنة . ذكرياتى معه وعنه كلها أحداث غير عادية تثير الضحك والجنان أيضا يطول الكلام فيها، ولم أتصور أنه يتقدم في العمر أبدا، فهو الشاب العاصي الغريب في الحياة . منذ سنوات انقطع الاتصال بيننا لعزوفي عن التواجد في أماكن تجمع المثقفين لأسباب صحية تخصني، وعرفت أنه أيضا يفعل ذلك فلقد مرّ بأكثر من محنة صحية في القلب، والحمد لله شفا منها، لكنه مثلي لا يزال بعيدا عن التجمعات الثقافية في المقاهي بالذات. المقاهي والكافتيريات الشهيرة التي أخذت الكثير من ليالينا مثل الجريون وريش والبستان وستيلا . في هذه السنوات عرفت أنه يعمل علي مشروع هو “محو الأمية البصرية “.
نحن جميعا كفنانين نعرف أهمية الصورة في الكتابة وكيف هي مصدر لتفسيرات مختلفة ونبع لإلهام كبير. غاب عني مشروعه أيضا حتي وجدت الفرصة في كتابين متتاليين له اصدرتهما الهيئة العامة للكتاب يحملان عنوانا واحدا هو ” محو الأمية البصرية – علم الخيال ” . قرأت الكتابين فوجدت فيهما تفسيرات يمكن أن يعتبرها أحد جانحة، لكنها مع قليل من التأمل حقائق مبهرة . إنه يطمح أن يكون ما يقدمه علما جديدا . فهو يرى أن 95% من بناء الإنسان وتكوينه يأتي عن طريق الصورة . والصورة كما يراها أنواع . مرئية ولا مرئية ولفظية وصوتية . فالكوكب الأرضي صورة وكذلك بقية الكواكب ، والإنسان صورة واقعه الذي يعيشه. وكل صورة تقوم علي الثابت والمتحول . يري أن محو الأمية البصرية يستهدف المخزون البصري الذي يكمن في الذاكرة البصرية، وإعادة هيكلته حتى يتحول الإنسان من بشري يحن إلى الغابات وقانونها الشرس الذي يقوم على الدم، إلى انسان ينتمي للجمال ، ويضيف إلى دولة الإنسانية . يقول أن الخيال يسبق العلم، فالخيال يحمل الفكرة والسرعة والضوء، فهو أسرع منا جميعا ويدور في فلك الصورة . اللغة البصرية بشكل عام هي أداة التواصل بين الشعوب . الإنسان يتميز باللغة عن بقية الكائنات واللغة هي صوت العقل وصوت الروح، لكن اللغة البصرية هي شجرة الأشجار، ومنها لغة العيون ولغة الإنسان ولغة العين واللسان، وهي لن تتجسد إلا عن طريق قاعدة اللغة البصرية وعن طريق التعليم البصري، فنستطيع أن نقضي على أخطر وأشرس أمية، وهي الجهل البصري . الذاكرة البصرية ماهي إلا عمارة من المشاهد البصرية على أرض العقل لها أسس وأعمدة، هي المشاهد البصرية والمشاهد اللفظية والمشاهد الصوتية. والمشاهد التي تُكوِّن الوعي أنواع منها المشاهد الحياتية المكتسبة من الحياة، والمشاهد الإبداعية المكتسبة من كافة أنواع الإبداع، والمشاهد العلمية المكتسبة من العلوم، والمشاهد اللفظية التي تشكل صورة عند الجنين، والمشاهد الصوتية، أي الموسيقى، وكلها تقوم ببناء عمارة الوعي الصحيح أو حتي الإجرامي. الجهل البصري يجعلنا لا نري أعظم شاشة كونية وهي شاشة السماء، التي تقدم لنا أعظم الأفلام الكونية ابطالها الشمس والقمر والهلال والنجوم والرعد والبرق . الرعد الذي يشكل الصوت والبرق الذي يشكل الضوء. الصورة الفنية التي تراها هي إنسان قرين لروح الفنان، ألوانه هي كلام اللوحة ولغتها، وكلها جاءت من رحم لون واحد هو لون ماقبل التكوين. الصور أنواع من مشاهد الكون إلي مشاهد الكومبيوتر، ومنها ما يُطلق سموما بصرية بما تحمله من خطاب بصري مضلل، ومنها ما يطلق بسمات بصرية ووعيا ورقيا بصريا، ومن هنا تأتي قوة أثرها على الإنسان .الإعلام مضلل جاء ليشكل الشعوب كما يشاء وليس مثل الفن. الكتابة قرين الصورة بما تحمله من خطاب بصري يأتي من منطقة الخبرة والممارسة وكذلك النقد، وكلها اجتهادات لا تصل إلي منطقة العلم إلا بتدريس قواعد اللغة البصرية ومفرداتها .. الخطاب البصري منه رمزي مثل السينما والفن التشكيلي والممارسات التكنولوجية فهي تتغير والتليفزيون والكاريكاتير والعمارة فكلها نسبية، ومنه العلمي مثل الطب البصري والتوازن البصري والتراث البصري الذي ليكون علميا، تكون النقطة أمام النقطة والحرف جوار الحرف والمفردة جوار المفردة والزمن البصري أمام الزمن الفني والعكس، وهكذا يدعو إلى تأسيس مجمع للغة البصرية وقاموس للغة البصرية. جسد اللغة البصرية يقوم على عشرة أعمدة فيها سبع وأربعون مفردة بعضها مرئي أو لا مرئي، أي صوتي ولفظي، والزمن سيأتي بمفردات أخرى ، ونماذج من المفردات ومعانيها مثل السماء وما وراءها والليل والقمر والهلال والعين. والوسائط البصرية مثل شاشة المنظار والنظارة والموبايل والسينما والتلفاز الخ. والموسيقى التصويرية ، ويضع لك صورا لكل هذا ومعناه . فالحركة تعني الروح، والهواء يعني الطاقة، وأصل الألوان يعني أصل الحياة، والكواكب هي الكون، والقمر دال، والهلال الطريق، والعين الرؤية ألخ ألخ .
يأتي الجزء الثاني ليعيد تفسير هذا كله بشكل أكثر اتساعا وتحليلا، فالإنسان خلق بثلاثة عقول وست عيون، هي عقل الرأس وعيني الوجه، وعقل الروح وعينيها، وعقل القلب وعينيه . ويأخذك إلى العلوم لتعرف أن كل النظريات العلمية تعيش في بحرين لا ثالث لهما، هما الأرض بكل ما تحتويه من كائنات حية وجماد، والسماء بكل ما تحتويه من أقمار وشموس ونجوم ومجرات. يعود يحدثك بتوسع عن عمارة الجهل ومناهجها منذ بداية الكون، لكن في السرد البصري لا يقف عند سرد العين فقط، بل يراه أضعفها، فهناك سرد الشفافية والبصيرة التي تأتي من عقل الروح وعينها. وتمشي مع الكتاب والكلام البصري ومعناه والصمت البصري والألوان، وأمثلة كثيرة على ما يقول ، وتطور الفنون ورؤي الصوفية وعمائرها الفنية، او البصرية الطبيعية. وهكذا ينتهي الكتاب وأنت معه تفكر هل يمكن حقا إيجاد مدرسة أو اكاديمية لذلك ومن سيفعلها أو لا يعتبرها طموحا كبيرا . والأهم والأسرع من يمكن من وزارة التربية والتعليم أن يقوم برعاية هذا المشروع ليتم تدريسه في المدارس . مثلا . طموح سعدني السلاموني كبير وأتمني أن يجد من يتحمس له.
أوبرا مصر ، دراسات ومقالات