أوبرا مصر تحاور الروائي محمد المخزنجي الحاصل على كتارا
حوار الكاتبة والمهندسة الوراثية أفنان زعيتر (الأردن)
محمد المخزنجي: الكاتب الناجح ليس بعدد جمهوره ومتابعيه فقط..
أجرت الحوار : الكاتبة والمهندسة الوراثية أفنان زعيتر -الأردن.
كاتب مصري في عقده الأربعين. درس الحقوق، ثم وظّفه في صنع حبكاته الروائية والقصصية، فتفرد بطريقة سرده وقفلاته المذهلة. ينتقل بك إلى عالم آخر موازٍ ذو ألوان داكنة وأماكن مظلمة ذات سراديب وداهليز لا تنتهي، ذو موسيقى صاخبة ووجوه مرعبة دون اللجوء لعناصر الرعب المتداولة.
أصدر مجموعته القصصية الأولى “الساحر”، ثم ساقه القدر إلى كاتبين متميزين آخرين ليبدأ معهما رحلته في كتابة الرواية. فكتب رواية “ألف ليلة في الجحيم” مع الكاتبة الفلسطينية “مُكَرَّمْ خلف”، ورواية “قاتل ولكن.. أبناء مفيستو” مع الكاتب المصري إبراهيم حلمي. ثم نشر نوفيلا “الدكان” ضمن مبادرة ساعة قراءة التي أطلقتها دار بورصة للأدب، ثم رواية الرّديف، التي حازت على جائزة كتارا للرواية العربية 2020، ليكون أول كاتب عربي يفوز عن أدب الرعب، على الرغم من كونها أول رواية منفردة ينشرها، وهو أمر يظهر نضوجه الأدبي الكبير مع كل إصدار جديد رغم مشواره القصير في الكتابة.
مع الكاتب محمد المخزنجي كان اللقاء..
• كيف أوقعتك الكتابة في شباكها؟ وأي أبنائك الأدبية هو الأحب إلى قلبك؟
أغرمت بالكتابة منذ الطفولة نتيجة لشغفي بالقراءة. وقد كانت لي محاولات كثيرة، لكن الممارسة الحقيقية كانت منذ عدة سنوات حين قررت أن أكتب من أجل هدفٍ ما… ولجأت إلى النشر حين أحسست أن الأفكار لا بد أن تتحرر من سجنها.
والأكثر قربا لقلبي هي قصة “قرية الغرباء” التي كتبتها عام 2016، التي كانت النواة لرواية “الرديف”.
• ما البصمة التي جهدت لوضعها في روايتك الرديف؟
عملت على تميز الشخصيات الرئيسية؛ من الحالة الإنسانية الصحية والنفسية المربكة، حيث أنها حالة لا يمكن أن نصادفها كثيرا.
• ما الذي جعلك تقرر خوض تجربة الكتابة المشتركة؟
أنا شخص أؤمن بوجوب الصعود شيئا فشيئا، فذلك يجعل الأساس ثابت، وحيث أني كنت قاصا، فقد قررت الاشتراك مع الكاتبين مُكرّم خلف وإبراهيم حلمي لكتابة الروايات لأنهما فكران مختلفان، لذا كانت مصادفات جميلة مدفوعة بالمغامرة والمتعة.
• بمن تأثر فكرك وقلمك من الكُتّاب؟ ولمن تحب أن تقرأ من الكُتّاب الجدد؟
أنا خريج مدرسة الكاتب “إدجار ألان بو” أيقونة الأدب القوطي المرعب، والكاتب “ستيفن كينج” بحالاته المقبضة لأدب الرعب، وقدوتي هو “فرانس كافكا” بفلسفته الكابوسية السوداوية. أما من الكتاب الجدد فإني محب لكتابات تامر عطوة وأحمد مراد.
• حدثني عن مشوارك في الكتابة حتى وصولك إلى جائزة كتارا..
ليس هناك طريق نجاح مفروش بالورود، وكل مسيرة فيها الكثير من العثرات. في البداية كنت أجد صعوبة في النشر؛ والحقيقة أن النشر بشكل عام فيه من المشاكل الكثير التي يعاني منها الجميع، سواء كانت المنافسة الكبيرة، أو سوء التوزيع أو خلق الدعاية المناسبة. في النهاية وجدت الدعم الذي أنتظره من دار بورصة للأدب.
والآن تمت ترجمة روايتي “الرديف” إلى اللغة الإنجليزية بفضل الله، ومن المفترض أن تترجم إلى اللغة الفرنسية أيضا. إنه شعور رائع، أن يمسك ما كتبته أشخاص حول العالم من كافة الثقافات.. هل تتخيلين مقدار التنوع الثقافي في النقد ورد الفعل اتجاه أحداث الرواية وأركانها! هي مغامرة متكاملة الأركان مليئة بالانفتاح.
• ما هو مفهومك للكتابة بشكل عام ولأدب الرعب بشكل خاص؟
الكتابة عملية إبداعية تحتاج لمجهود ذهني عظيم، مليئة بالمتعة لمن يهواها، فإنك تنشئ بها عالمك الخاص لتخلق بداخله العديد من العوالم لتتحدث عنها وتديرها كما تريد لها.
أما أدب الرعب فهو الجزء المثير من الأدب والكتابة، فهو يتفرد بتلك المساحة الأكبر من الخيال والإثارة التي تحفز وتجذب المتلقي بشكل خاص.
• لماذا اخترت مواضيع الرعب النفسي نهجا لرواياتك؟ وما الهدف الذي تطمح لتحقيقه من خلالها؟
لأن النفس البشرية فيها الكثير من الزوايا المظلمة، فإن تسليط الضوء على تلك الزوايا بالإضافة لبعض الخيال يخلق جوا من الرعب يمكن أن يكون أكثر تأثيرا من الأنماط التقليدية لحكايات الرعب المليئة بالأشباح وقصص الاستحواذ والجن المستهلكة بشدة.
الرعب أعمق من مجرد تلك الظواهر الماورائية… لذلك أميل لكتابة الرعب برؤية مختلفة كما لم يُنْظَرْ إليه قبلا.
أما الأدب وإن كان متعة فهو في المقام الأول رسالة.. رؤيتي هي الارتقاء بأدب الرعب وعدم قولبته بطريقة تتسبب في نفور نخبة من القراء منه. وهدفي أن يناسب أدب الرعب ذوق من يبحثون عن العمق والرقي، ولا أجد من الصعب إضافة قيما وأبعادا إنسانية وأدبية إليه أكثر.
• كم تضع من شخصيتك في رواياتك؟
حين أكتب أنفصل عن ذاتي، فأكتب من منظور محايد لا يمتّ لي بصلة، لكني قد أستلهم من شخصيات ومواقف قابلتها، وقد أستعين بوصف شخصٍ رأيته، أو حالة مررت بها.
• عند الانتهاء من الكتابة هل تستطيع الخروج من تلك الشخصيات بسهولة أم أنك تمكث في عالمهم لفترة؟ وهل مررت في حالة “منع الكتابة”؟
عند الانتهاء من الكتابة أشعر براحة جسدية ونفسية كبيرة، وأحاول التخلص من الضغط العصبي الذي كنت أرضخ له بمجرد الانتهاء والاطمئنان بأن كل شخصية في مكانها، لأني إن لم أفعل فإنهم يقفزون إلى ثنايا عقلي حتى أكاد أصاب بالجنون! لا أنساهم فذلك صعب، لكني أعقد صلحا معهم.
بالنسبة لحالة “منع الكتابة” فلا يخلو الأمر من ذلك؛ ففي كل مجال هناك فترات فتور، وربما هذا أمر صحي، فمهما عاندتنا الأفكار تعود للتدفق مرة أخرى.
• برأيك كيف ستؤثر جائزة كتارا على قلمك وفكرك؟
ستجعلني أكثر حذرًا وانتقائية، فإني أكره خذلان أحد وثق في قلمي. ولقد أضافت لي كتارا إضافة أكبر من المكسب المادي، فالجوائز الأدبية تحقق للعمل الأدبي الوصول والانتشار والقبول لدى الكثير في العديد من الدول العربية والأجنبية، كما أنها وفرت لي دراسات نقدية، ومنافسة أدباء آخرين، فكان معنى الفوز بها بالنسبة لي شرف عظيم.
• ما رأيك بالكتابة باللهجة العامية؟ وهل من الممكن أن تؤثر على فهم القارئ لكلمات قد لا يكون معتادا عليها؟
اللهجة العامية قد تكون ضرورة يتم توظيفها لإضفاء بعض الواقعية والنكهة المحلية على العمل الأدبي، لكنها لا تكون أدبًا بحد ذاتها، وأنا ضد السرد القصصي أو الروائي بالعامية. وإن القارئ الواعي لا يسمح بمرور كلمة دون فهمها، والتكنولوجيا لم تترك شيئا مبهما.
• هل المثقف العربي عنصر فعال ومؤثر في تطور الأدب العربي؟
بالطبع، فالأدب فن تفاعلي، الكاتب يؤثر بالقُرّاء ويتأثر بهم، وإن آراء الجمهور عمومًا والمثقفين خصوصًا تشكل عاملا مهما في توجه الكاتب، والقضايا التي يثيرها المثقف ويود مناقشتها قد تكون مصدر إلهام أدبي، والقضايا التي يكتب فيها الكاتب تفتح أبوابًا وآفاقا جديدة للمثقفين.. وهكذا…
• أيهما أكثر قدرة على التعبير والتواصل مع القارئ؟ الرواية أم القصة القصيرة؟ وهل انتهى زمن القصة القصيرة؟
باختصار؛ القصة القصيرة موقف وحالة، والرواية حياة. لذا فالرواية أكثر تعبيرا، فهي أقدر على الإمساك بالقارئ وإقحامه في حياة الشخوص وهمومهم.
وبالتأكيد لم ينتهي ولن ينتهي زمن القصة القصيرة، لكن الرواية تفرض نفسها بقوة.
• ما رأيك بظاهرة كتابة المراجعات في الكتب والروايات من قبل القراء بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية والأدبية؟ وكيف يمكن للكاتب تقبل الآراء على اختلافها؟
أعتبرها عرض لردود أفعال القراء على العمل الأدبي، لا يمكن منعها أو تقنينها والتحكم بها، لذلك أراها سلاحًا ذو حدين، فمن الجيد رؤية الآراء باختلافها، لكن في كل الأحوال لا يمكن الاعتداد بها كنقدٍ أدبي، إنما هي آراء يجب احترامها.
ولأن طبيعة الحياة هي التنوع، فإن كل عمل أدبي سيكون له معجبون وكارهون، وعلى الكاتب أن يتحلى برحابة فكر واحترام للآخرين وثقة كافية بنفسه.
• ما رأيك بالنشر الرقمي وتحويل الكتب إلى ملفات صوتية؟
المألوف حاليا أن المكتبات باتت رقمية، والقراءة من الجهاز اللوحي، والكتب المسموعة لضيق الوقت وإيقاع الحياة السريع هي المفضلة للقراء، وطالما أن المثقف يسعى لمتابعة القراءة وتوسيع مداركه ويبحث عن الكتب القيمة فالوسيلة ليست مهمة، لكن لا شئ سينوب عن النشر الورقي، فمحبيه كثيرون، والمتعة بالقراءة من خلال صفحات مقرونة برائحة الحبر والورق لن تندثر يوما.
• برأيك، من هو الكاتب الناجح؟
هي خلطة من الصفات بنسب معينة تجعل الكاتب ناجحا أهمها التميز والاختلاف والذكاء والقدرة على لمس مشاعر القراء. لكن النجاح الجماهيري وحده بحساب عدد القراء والمتابعين، أو النجاح بكتابة رواية جيدة لم تصل لعدد كافٍ من القراء هي معايير منقوصة.
• ما رأيك بالكاتب الذي لم يجد دار نشر تتبنى موهبته فاتجه لتمويل كتابه بنفسه؟
لا أشجع ذلك أبدا، كيف تدفع ثمن جهدك؟ هذا غير منطقي، هناك دور نشر كثيرة ستتبنى عملك إن كان يستحق، وإن لم يحدث ذلك فعليك أن تصبر وتطور نفسك كثيرا ولا تستعجل، فسيأتي يوم وتحصل على ما هو لك …
• برأيك .. ما هي المَلَكة التي يجب أن يملكها الكاتب؟ وهل الكتابة التفصيلية الوصفية أفضل في الروايات أم السرد العام للأحداث؟
برأيي المتواضع، عليه أن يتحلى بالذكاء والحكمة وسرعة التقاط الفكرة وتحليل الموقف.
وبالنسبة للنص السردي يجب أن يكون متجانسا، ولكل نصٍّ مقاديره الخاصة؛ فالوصف جميل لكنه قد يوقع القارئ في الملل إن زاد.
• ما هي النصيحة التي تقدمها لمن يمتلكون موهبة الكتابة ولم يبدأوا مشوارهم بعد؟
أقول إن ما تريدونه ليس أحلاما، فالأحلام نراها ونحن نيام، لكنها أهداف عليكم السعي لتحقيقها، بالمثابرة والإيمان بما تملك والثقة بعدل الله …
• ما هي الأمور التي قد تضفي قيمة أكبر إلى معارض الكتاب؟
أعتقد أن أعداد الكتب المنشورة في ازدياد كبير لا يوازي قيمة محتواها في الغالب، فمحتواها متذبذب. لكن لو اهتمت دور النشر بالمواهب الحقيقية وصبوا تركيزهم على نجاحهم لارتفعت قيمة الكتب وسُرّ الجميع بالنتائج من دور نشر وكُتّاب وقرّاء.
• ما الذي تطمح إليه مستقبلا؟
أطمح لأضع خطا أدبيا مختلفا ومميزا، وإضافة بصمة فلسفية لا تنسى في أدب الرعب، وأتمنى بالطبع أن أرى رواياتي كأعمال سينمائية أو تلفزيونية يشاهدها الجميع ويتمتع بها.
• حدثنا عن أعمالك القادمة
تم التعاقد على رواية “أهل الأخدود” ونشرها في معرض القاهرة الدولي للكتاب مع المجموعة الدولية، وهي رعب فانتازي بطابع كابوسي سوداوي.
كما أن هناك رواية أخرى قيد الانتهاء هي “ثورة تحت الأرض” التي تعتبر جزءا ثان من رواية “ألف ليلة في الجحيم” لكنها ستكون منفردة هذه المرة.
أوبرا مصر ، دراسات ومقالات