دراسات ومقالات

عبد الهادي شلا يَكتُب : (يوم خَرَجتُ عن المألوف…!!!)

ليست كل اللحظات في حياتنا لها نفس الأهمية،فبعضها لا يمكن إحتسابها لهوا ،ولا يمكن لأخرى إحتسابها ذات الفائدة.

ولأنني وعيت على نفسي لا أهمل الوقت ولو للحظة واحدة،وأحاول الإستفادة منها مهما كانت هامة أو يحسبها البعض غير ذات قيمة إلا أنني كنت ومازلت أمنح اللحظات فرص كي أنتفع بها وربما إنتفع غيري من نتائج هذا الإهتمام.

اليوم ..راودتني فكرة أن أمنح نفسي راحة بمعنى الكلمة!
ولكنني إحترت في كيفية أن تكون الراحة وطريقة الحصول عليها وأنا أحمل عقلا لا يتوقف عن التفكير في جديد ويراقب كل ما يدور من حولي وينفعل، وينحاز، ويضجر ،وينفر، بينما أنا أريد أن ألغي كل هذا وأمنح نفسي راحة منه ، هو في داخلي لا يمكنني الفرار منه إلا إليه؟!

مادامت الفكرة قد حضرت إذا لابد من تطويعها بالشكل الذي أحقق منها غرضي كاملا.

فجلست في مكاني المعتاد أمام جهاز التلفزيون في نفس الموعد الذي أجلس فيه على مكتبي أقرأ أو أكتب أو أضع تخطيطا للوحة بينما الموسيقى الهادئة تتسلل إلى مسامعي من بعيد،وبي تصميم على أن أنفذ الفكرة الغريبة التي استحوذت على تفكيري منذ الأمس.

بمحرك القنوات الألكتروني “الريموت كنترول” أخذت التجوال بينها وخاصة العربية التي لا أتابعها إلا حين تلم بالأمة الحروب والكروب لشعوري بعدم مصداقية الكثير منها حتى في نقل الخبر بالصورة وأستعيض عنها بمتابعة القنوات الأجنبية التي تنقل الحدث مباشرة ولها مصداقية.

أخذت أفتش عن مسلسل ” تافه ” رغم عدم معرفتي بالأنواع التي تعرض وعدم معرفتي بخصائص كل قناة عربية التي فاجئني أن عددها كثير جدا وأن البلد العربي الواحد أصبح فيه عشرات القنوات،بينما كنا ومنذ زمن ليس بالبعيد نستمتع بقناة واحدة مهما كان المعروض فيها ولا نتذمر علنا لأننا لا نملك هذا الحق ولا يتوفر قنوات أخرى و يتعذر الأنتقال إلى قناة بلد عربي أخر لعدم وجود “ستلايت” لكل منطقة في العالم كما هو متوفر الآن.

الوقت يمر وأنا مازلت أكتشف،وعقلي يذكرني أنني “اضيع الوقت”،ولكنني لا أصغي بإهمال شديد وبعض شيء في داخلي يضحك على فعلتي هذه،ولكنني تماديت في “هدرالوقت” ،حتى شاهدت شابا يغني وسمعت صوته ، للحظات قليلة فأصابني ضجر غريب وتخيلت أن “سيد درويش، صالح عبد الحي،وأم كلثوم،وعبد الحليم حافظ ” من حولي يصرخون في وجهي ويؤنبونني،وأن ” أذنــاي ” قد تحولتا إلى شخص عنيد ووقفتا أمامي تقرعانني أن سمحت لصوت كهذا وبعد هذه السنين الطويلة أن يمر إليهما!

ماذا أفعل إذا؟!
سأبقى أبحث لربما وجدت شيئا أكثر “تفاهة” يجعلني أريح عقلي وقلبي عن التفكير والإحساس بما يدور من حولي!.

فكرة جهنمية وغير عادية،سأبحث عن قناة للرقص الشرقي،أو لفرقة شعبية ،لا أريد “بحيرةالبجع” ولا أي أوبريت غنائي راقي !

هي ” نجوى فؤاد ” في شبابها و ” سامية جمال “،ولما لا أبحث عن “تحية كاريوكا ” فقد كان لهن شهرة لم يصل إليها أحد من راقصات هذا الزمن أو أنني لا أتابع فانا لا أعرف من هي التي تتربع على عرش الرقص فلابد أنهن كثر ،في عالمنا العربي الذي تتزاحم فيه المصائب والحروب!.

ولأن الوقت غير ذا قيمة اليوم فلما لا أتابع مبارة لكرة القدم فهذه تستحوذ على ثلاث ساعات وأكثر،وأن شبابنا العربي يجد متعته فيها و النقاشات التي تدور حول كل مبارة تعقد لها الشاشات الحلقات الطويلة والمداخلات التي تقضي على ما تبقى من يومها، والوقت غير ذات قيمة أيضا!

شيء في داخلي يضحك بصوت عال،ما أجمل الراحة خاصة أنها تشعرنا نحن الجادين “بتفاهتنا” المستترة عن العيون،وتكشف أننا لسنا مميزين عن الآخرين إذا ما قرر أحدنا إتخاذ خطوة جريئة بــ”قتل الوقت” بما لا ينفع.

ولما لا تكون هذه الفكرة ظاهرة صحية نحتاجها فعلا،ونمنح عقولنا فترة تعيد ترتيب أفكارها بشكل جديد وصفة جديدة؟!

أخيرا..اكتشف أن هذا اليوم الذي قررت أن يكون “يوم راحة “،إنما كان مزدحما بالتفكير المختلف وأخذني إلى دهاليز ما كنت لأقتحمها لولا هذه الفكرة الغريبة،وأن هذا اليوم كان أكثر عملا وتفكيرا وشجننا من أي يوم عادي!.

أوبرا مصر ، دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى