منال رضوان تكتب قطوف وثمار في الفضائل والخصال
المحبة (٢- ٣)
ويطيب أن نعود إلى باب الصدق في المحبة لأبي سعيد الخراز ونذكر قوله:
ومن صدق المحبة لله تعالى: إيثار محبة الله عز وجل في جميع الأمور على نفسك وهواك، وأن تبدأ في الأمور كلها بأمره قبل أمر نفسك.
وبلغنا أن موسى عليه السلام قال: ( يا رب أوصني)،
قال الله عز وجل: ( أوصيك بي)، قال:
(يا رب كيف توصيني بك؟!)، قال جل شأنه:
(لا يعرض لك أمران، أحدهما لي والآخر لنفسك، إلا آثرت محبتي على هواك).
فالمحب لله قد جعل ذِكر الله تعالى بقلبه ولسانه فرضًا على نفسه، فهو يتفرغ من الغفلة ويستغفر منها،
وكذلك جوارحه إنما هي وقف لخدمة مَن أحبه، فهو غير ساهٍ ولا لاهٍ، وإنما همه أن يرضي من أحبه، فقد بذل المجهود في موافقته في أداء فرائضه واجتناب مناهيه، فهو مُتزين له بكل طاقته، حَذر من أن يأتي عليه أمر يُسقطه من عين مَن أحبه.
وهكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق أنه قال: يقول الله عز وجل: ( ما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا ومؤيدًا، دعاني فأجبته، ونصح لي فنصحت له).
فعلامة المحب الموافقة للمحبوب، والتجاري مع طرقاته في كل الأمور، والتقرب إليه بكل حيلة، والهرب من كل ما لا يعنيه على مذهبه.
ولو كانت المحبة على قدر النعم لنقصت المحبة إذا نقصت النعم في وقت الشدائد ووقوع البلاء، لكن المحب لله تعالى الذي ولهَ عقلُه بربه واشتغل برضاه فكان في شكره لله وذكره حيران، كأنه ليست نعمة على أحد إلا وهي عليه، وهو مشغول بحبه لله عز وجل عن كل الخلق، وقد أسقطت المحبة لله تعالى عن قلبه الكِبر والغل والحسد والبغي، وكثيرًا مما يعنيه من أمر الدنيا من مصلحة، فكيف يذكر ما لا يعنيه؟!
قال بعض الحكماء: من أعطى من المحبة شيئًا فلم يعط مثله من الخشية فهو مخدوع.
وروي عن الفضيل بن عياض رحمه الله، أنه قال: الحب أفضل من الخوف.
منال رضوان – قطوف وثمار في الفضائل والخصال