دراسات ومقالات

قراءة في وريقات من كتاب الشعر (المجازي)

للشاعر / حسن حجازي حسن

 

الأديب والمترجم حسن حجازي
الأديب والمترجم حسن حجازي

نعم هذا العنوان أقصده تمامًا ( الشعرمجازًا ) حيث ما قرأته خلال ديوان الشاعر حسن حجازي الذي وضع له عنوان وهو (وريقات من كتاب الشعر) .
ليس بشعرٍ منظومٍ على بحور الفراهيدي، سواء بالشكل التقليدي أو قصيدة التفعيلة أو التطورات التي طرأت على شكل القصيدة المنظومة، وكذلك لم أره يتشابه مع القصيدة النثرية التى عرفتها الناقدة الفرنسية سوزان برنار، بأنها قطعة نثر موجزة قدر الإمكان، موحدة ومضغطة كقطعة من البلور.
إذن ماذا نقرأ في وريقات من كتاب الشعر للشاعر حسن حجازي ؟ ولماذا أطلقتُ عليه شعرًا مجازيًا؟
إنَّ إجابة هذا السؤال المركب تتلخص في أنَّ الديوان الذي نطالعه ( قراءة في وريقات الشعر لحسن حجازي) يعتبر لونًا مستقلًا من الكتابة التي تجمع بين صفات النثر والشعر معا حيث جمع حسن حجازي بحرفية بالغةٍ أفكارة في قطعة مكثفة بمنتهى الدقة والعناية تكثيفا غير مخل وبدون اسهاب مُمِل ، فهو كثَّفَ أفكاره وضغطها في قطع بلورية رائعة، وهذا ما يجعله يميل إلي القصيدة المنثورة، وكذلك نرى شاعرية مفعمة من خلال الصور المركبة والصور الممتدة والايحاءات، والمجازات التى تعبُر بالقارئ إلى فضاءات واسعة من الأخيلة، فكتابات حسن حجازي خلال هذا الديوان تتشابه مع ماقدمة أمين الريحاني وجبران والرافعي.
ولا نستطيع أن نقول : إن ما كتبه حسن حجازي خلال هذا الديوان هو قصيدة النثر لأننا قد نكون جمعنا بين نقيضين في تركيب لغوي حيث أن قصيدة (تعني / شعرًا) فهل يمكن الجمع بين الشعر والنثر في عمل أدبي واحد؟
لا يمكن الجمع بينهما لا في ثقافتنا العربية ولا عند نقاد غربيين كثيرين .
فإذا استعرضنا رأي إليوث أحد أهم شعراء الحداثة في الغرب حيث يقول ( الشعرالحر تسمية خاطئة وذلك لأن لا يوجد شعر حرًا لدى من يريد أن يحقق الإتقان) حيث أعلن أن الحرية لا يمكن أن تكون هروبا من أوزان الشعر ولكن هو السيطرة عليه واتقانه، وترى إليزاببث درو بأن الشعر يمكن أن يتخلص من كل النغمات المنتظمة من أوزان وقوافي.
ويرى أدونيس أن قصيدة النثر لا يمكن أن تكون شعرًا حيث أن الشعر مهما تحررمن القيود الشكلية والأوزان، وكذلك النثر مهما حفل بخصائص فكرية تبقى هناك خصوصية بين الشعر والنثر.

وبعيدا عن الآراء سالفة الذكر، وبعيدًا عن رأي النقاد في القصيدة النثرية أو المقطوعة النثرية.
هيّا بنا أيها القارئ الكريم نتصفح ديوان (وريقات من ديوان الشعر للشاعر حسن حجازي حسن الذي أطلق عليه هو شعر حديث.
حيث يحتوي هذا الديوان على تسع وعشرين لوحة فنية أنيقة متنوعة تنم عن رؤية فلسفية وحث وطنى ونازع قومي لدى الشاعر، بجانب ما يمتلكه من عاطفة ورومانسية تظهر في بعض قصائد هذا الديوان.
ويرى المتصفح لهذا الديوان أن الشاعر متمردًا على الشكل التقليدي للقصيدة، ويريد أن يُأصِّلُ لفكرةٍ جديدة في البنية الفلسفية والفكرية في قصائده، فتراه يتكئ على موروث ثقافي استمدة من روافد اللغة وهي القرآن الكريم، والتراث العربي والثقافة العربية وما تحتويه من أقوال مأثورة وحكم.
و بعيدا عن الوزن والقافية فنحن أمام ديوان مميز لكاتب يحمل خاتم الإبداع.
عند استعراضنا لغلاف الديوان نجد أنه استعاض عن موسيقى الخليل برمز القيثارة كي يوحي لنا أنَّ الموسيقى تعزفها الآلات كما تعزفها الكلمات.
وله في اختيار العنوان سمتًا خاصًا حيث جعل الشعر الذي هو (ديوان العرب) أوراق متراكمة عبر التاريخ الأدبي واقتطف هو لنفسه وريقات من كتاب الشعر هل هو موفق في اختيار هذا العنوان؟
سأترك لكم الإجابة.
وفي الإهداء الذي قدمه لحفيديه دليل واضح على استمرارية الحياة والعطاء، حيث أن الحفيد هو امتداد طبيعي للشخص وضمان لاستمرار الأسرة ، فتراه يقول:
إلى حفيدي
يحيى وزياد
ودٌ بلا نهايةٍ
ويقين وثقة بالله
بأنَّ الغد أفضل لمصر

ثم تأتي القصيدة الأولى التى اشتقَّ عنوانها من عنوان ديوانه ( وريقات من كتاب الشعر) وكأنه اقتص عنوان القصيدة من كتاب الشعر فعنونها / وريقة من كتاب الشعر.
هذه المقطوعة الرائعة التي ترى تكثيفها المتقن تتناص مع القول الخالد لطارق بن زياد أثناء فتح الأندلس، حيث أوحى للجنود أنه لا مفر من الثبات ، إمّا النصر أو الشهادة، فقال لهم البحر من أمامكم والعدو من خلفكم .. فأين تفرون.
وهنا نري الشاعر يدفعنا إلى الكتابة من خلال هذا التناص، وتدوين الأفكار فيقول:
البحرُ من أمامكم
والشِعرُ من خلفكم
فإمَّا الموت أو الكتابة
فأين تذهبون؟

وهذ التناص مقبول وجيد حيث أنه ربط القول المأثور بجديد ابداعه بحلة جديدة، وقد استطاع خلق فضاءات واسعة للتأمل والتدقيق.
ثم ننتقل من الصور الشعرية الفردية الى الصور المركبة ثم الصور الكلية؛ فنجده قد تميز بتكثيف الأخيلة وعناصر صوره وربطها بطبيعة رؤيته في صورة كلية كما نرى :
أرسلت قلبي خلسة
لعلي أجدُ قبسًا من حبِّ
• وعندما تكلم عن الحرية اعتبرها هي الزاد والعماد الذي ترتكز عليه الحياة وهذا جميل ولكن ما علاقة هذا بالآية القرآنية من سورة الشعراء ( ألم ترى أنهم في كلِّ وادٍ يهيمون) فلم أر داعٍ لوضع الجمله في علامة تنصيص لأنها ليست منقولة بنصها، وكذلك لا تناسب ما قاله عن الحرية حيث لا توجد علاقة تناص بين معنى الأية وما كتبه عن الحرية
الحرية هى الزاد
وهي العماد
فكم قتَلَنا الزيف
والركضِ خلف الكلمات
أما زلتم
في كل وادٍ تهيمون؟
• وكذلك هناك صورة رائعة ممتلئة بالأحاسيس والعواطف والإيحاءات حيث يقول:
ما خنت قلبي يوما
وما جفوت قلمي
ربما هي قسوة المحب
ولكن ما علاقتها بقول الله تبارك وتعالى في صورة الضحى
(ما ودعك ربك وما قلى)
هنا لا أرى علاقة بين الصورة الجميلة للشاعر والآية الكريمة حيث حيث أن التناص هو بلورة وصناعة صورة جميلة تقترب تارة وثم تبتعد عن المصدر الأصلي حيث يكون ذلك بكتابة المعنى أو اللفظ القديم الذي يخدم الغرض الذي كتب من أجله النص.
وهذا واضح في كل الايات الكريمة التى كتبها تحت مقطوعاته الشعرية، لا أدري ما الغرض من هذه الأيات؟
• ويستمر الشاعر في هوايته المحببة وهي التناص فتراه هنا في قصيدة (تصبحون على شعر)
يقول لنا: تصبحون على خيرٍ أم على شعر
القارئ لهذه الجملة يعتقد أن هناك خيار بين أن نفيق على الخير أم على الشعر، وفي هذا إضعاف للصورة حيث أنَّ الشاعر هنا يرى أن الشعر ليس بخير، ولكن
أم هنا هي أم المنقطعة ( هي حرف عطف يقع بين جملتين مختلفتين في المعنى وليس هناك ارتباط بينهما في المعني )
فيكون المعنى الذي قصده الشاعر هنا هو (بل ) كما جاء في قول الله تبارك وتعالى ( قال الذين كفروا للحقِ لمّا جاءهم هذا سحرٌ مبين – أم يقولون افتراه)
وكأن الشاعر هنا يقول تصبحون على خيرٍ بل على شعر
• يتناص مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
فيقول: يسألني صديقي
أين صليتَ الظهر؟
في جماعة؟ أم كالعادة؟
وكأنه تعود أن يصلي منفردًا لضرورة ما !!!

ثم يأتي التناص مع الحديث الشريف
قلتُ الوحدةَ عبادة
فامسك عليك لسانك
وليسعك بيتك
وابك على خطيئتك

وكأنه يدعو إلى الاعتزال والبعد عن الناس ويحثهم على الوحدة في زمن الفتن.
 وفي قصيدة اغضب، تراه يدفعنا إلى الغضب والخروج من اللامبالاة والاتكالية والوهن، حيث يعدد الأسباب:
اغضب
فقد ضاع وقت السلام
اغضب
فالعالم يداهن ينافق
وبعد العديد من التحفيز على الغضب تجده يرجع الى رشده فيقول
اغضب
لكن بحكمة
فالموج عالٍ والبحر ثائرٍ

وأرى أن هذا الدرب مطروق فعندما نسير دربًا مطروقا، إمَّا أن نزيده جمالا أو نتركه بدون السير فيه وهذا أفضل
• وفي قصيدة الأقصى هل يضيع، يصف حال الأقصى السليب بصور جميلة فهو: استخدم التشبيه في قوله،( كالوردة النادية، كالعنبر، كالسكر، كنسمات الربيع
وأرى كاف التشبيه من شإنها أن تضعف من الصورة ولو حذفها لكانت الصورة أقوى
ومن ضمن وصفه الجميل للأقصى، استخدام الإستعاره في قوله
بحرٌ من العبير، صمته الخجول، محاصرًا بالخوف، حفنة من طغاة
وغيرها من الاستعارات والأخيلة الجميلة.
• فقد نجح الشاعر رغم غموض بعض دلالته، أن يسوق المعاني والخواطر المكنونة داخله لمتلقيه بطريقة جميلة ممتلأة بالجانب المضئ من الدلالات الرمزية للمفردة أو الصورة أو التركيب اللغوي أو بناء القصيدة
• وهذا نراه في قصيدته (وريقة من كتاب الغربة) ،حيث يقول:
أقلب عيني ….. بين الوجوه …… يفرُّ الوجودِ….. فما من أحد
قريبة للوزن على تفعيلات البحر الطويل فعولن فعول
فهى صور مفعمة بالحركة والنشاط في تقلب العين، والفر والكر وهكذا

• ونرى ذلك أيضا في (دم المسلم)
يطرح الشاعر في صورة من السخرية الدرامية تساؤل عن كينونة المسلم سواء في الشرق أو الغرب أو تائه في الدرب أو قبل الفتح في غربته ووطنه في طقوسه وعاداته وتقاليده في تقصير الثوب ويختتم هذه القصيدة فيقول:
عندما تخبرني
من هو المسلم بحق
سندرك سويًا حرمة هذا الدم

وهنا يتناص مع حديث الرسول صلي الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)
• وفي قصيدة (أهل دمشق أدرى بشعابها)
• يستمر في رسم الصور الذهنية التي تصف العلاقة بين عبارات الشاعر والإحساس الذي يتولد في ذهن المتلقي فتراه يقول:
يقول إلى من أهداها القصيدة
لا تسألي
عمَن أطفأ جذوة النار
في قلب حلب وحمص
في ريف دمشق
وهي تشكو قسوة البرد

وما يزال يستلهم صوره الجميلة التي توازن بين ما ترصده عيناه من أحداث
ومظاهر حسية ملموسة وبين ما يعادلها من الانفعالات والأبعاد النفسية
وظل يغرد واصفا ما حلَّ بدمشق في قصيدة طويلة راقت لي.
• وتراه في قصيدة جنيف2 وسيكس بيكو، يستعيد مأساة المزاد الذي تُباع فيه الأوطان، ويعزف على وتر الوهن الضارب في أعماق الأمة
بين دعاة التأصيل والتطبيل
تجار المِلة والدين
من جيلٍ إلى جيل
تستمر الفتنة وألاعيب الشيطان
• وتراه يعزف على نفس الوترفي قصيدة (رسالة للقادم – وقصيدته ( لمن يهمه الأمر )
• ثم يتغنى بمجد الوطن في قصيدتة (يقين) فيقول:
من القناه للسد
تاريخ طويل ممتد
موعد يتجدد ….. مع المجد
وفي (معًا ضد الإرهاب – وأهلًا بالمعارك – واليوم موعدنا – والرقم الصعب -هذا الشعب وقصيدة إرادة – ودرعٌ وسيف- وخير أجناد الأرض- ماذا نقول له – قنوط- استراحة محارب )
وهي مجموعة من المقطوعات النثرية يبرز خلالها الشاعر ما تنطوي علية نفسه الشاعرة من هموم وعواطف قومية واجتماعية برزت فارتشف رحيقها وأخرجه نصا شَهدا لذة للقارئين
ثم تراه يجود علينا برومانسية مفعمة محمولة على أشرعة ثقافته وذوقه ورقى مشاعره نطالع ذلك في قصائده (كالبدر بل أجمل-حالة حب خريفة- تأملات- مرآه- حالة تلبس) كلها لوحات رائعة لشاعر ولا أروع

ملامح خاصة بديوان الشاعر حسن حجازي (وريقات من كتاب الشعر)
1. الديوان يتكون من تسع وعشرين قصيدة نثرية، كل قصيدة مقسمة إلى مقاطع حيث يرتأي الشاعر أن كل مقطع له فكره ومجموع هذه الأفكار يعطي معنى جميل للقصيدة .
2. يتميز هذا الديوان بالتانص مع روافد اللغة سواء القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة أو الأقوال المأثورة للحكماء وأيضا نراه يتناص مع الكتاب المقدس مما ينم على ارتكاز الشاعر على ثقافة ووعي بالتراث.
3. يستخدم صور ذهنية التي ينقل من خلالها الواقع بما يحويه ويحوله الى صور في ذهن المتلقي .
4. ونرى أيضا الشاعر يحاول التجديد في طرق العرض الشعرية حيث استخدم أسلوب فريد في عرض أفكاره وخواطره.
5. الشاعر من خلال صوره نرى الأثر الذوقي المباشر وكذلك نري مزج بين ارتباط لاشعوري مُبهَم في قصائده .
6. الترجمة ونرى بوضوح تأثر الشاعر بالكثير من المدارس الشعرية المختلفة من شتى البقاع .
بقلم
فتحي زيادة
عضو النقابة العامة لكتاب مصر
محاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة
رئيس النادي الأدبي بالحسينية الأسبق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى