من قتل الأحدب بقلم : الصديق بودوارة
من قتل الأحدب بقلم الصديق بودوارة
(1)
في الموروث الصيني ثمة أسطورة تتحدث عن ذلك الأحدب الذي ضاع دمه بين ضمائر القتلة ، فكل منهم يعتقد أنه القاتل ، القتلة كُثر ، لكن القتيل واحد ، فما أشبه حالنا اليوم بكِ أيتها الأساطير .
(2)
تقول الأسطورة إن ملكاً مقتدراً مر ذات يومٍ بأحدبٍ مسكين ، يسخرُ منه الأطفال ، ويتجرأ على عاهته السفهاء ، فأخذته به شفقة ، وما أوسع شفقة الملوك إن حانت منهم التفاتة إلى الأشقياء .
(3)
أشفق الملك على الأحدب ، فأخذه معه إلى القصر ، وأمر طباخه أن يعطيه ما يُشبع جوعه ، لكن الطباخ أطعم الأحدب سمكاً دون أن ينتبه إلى شوك السمك ، وعندما ازدرد الأحدب الجائع سمكته غص بالشوك فمات .
(4)
غص الأحدب بشوكه فمات ، كما نغص نحن بشوك هذا الواقع العربي فنموت بالتقسيط المريح ، وكما يغص الفقير بشوك فاقته ، والموظف بشوك مرتبه الهزيل ، والمواطن بشوك لهاثه من مطلع الشمس إلى مغيبها ، والعربي بشوك أعداءه يقتلونه بلا شفقة من مطلع الشمس إلى مغيبها ، غير أنه لم يمت بعد .
(5)
غص الأحدب بشوكه فمات ، ولكي ينجو الطباخ من العقوبة رمى ضحيته في اقرب مكب للنفايات وأسرع بالهروب ، فمر على مكب النفايات شخاذ بائس كان يرمي بؤسه بحجر على سبيل ابداء السخط ، وعندما اكتشف جثة الأحدب ظن أنه قاتله ، فأسرع برميه في النهر حيث وجده صياد سمك ، وهكذا ، ظل القتلة يتكاثرون ، وكل منهم يعتقد أنه قاتل الأحدب ، إلى أن تشكلت متوالية مريعة من القتلة ، فيما ظل القتيل وحيداً يموت كل مرة بشوكه ولا ينبس بحرف .
(6)
قتلة الأحدب كُثر ، غير أن الأحدب واحد ، فهل نحن بعضٌ من الأساطير القديمة ؟ وإلى متى ؟
(7)
إلى متى تظل هذه الأمة بمثابة أحدب الأساطير ؟ يقتلها الغرب من هنا ، وتفتك بها النوائب من هناك ؟ وإلى متى يظل العربي مواطناً تحت مستوى خط الإحساس بوجعه ؟ يغص يشوك واقعه من مطلع الولادة إلى مطلع الروح ؟ وإلى متى يظل فرحنا الوحيد نكتة خارجة أو كوب شاي أو دخان سيجارة أو خيبة أمل لذيذة المذاق نغص بشوكها غير أنا لا نموت ؟!!