أخبار عاجلةدراسات ومقالات

أ.د ربيع عبد العزيز يكتب أمجاد تراثية

دكتور / ربيع عبد العزيز

أستاذ النقد الأدبي – كلية دار العلوم – الفيوم

قبل أكثر من ألف عام كانت أوروبا تغط في النوم، وكان أجدادنا من جماع الحديث النبوي يضعون قواعد المنهج التاريخي في صرامة علمية لنا أن نزهو بها، فلم يتهيبوا من نقد الراوي والمروي، وعنهم أخذ نقاد الأدب العربي، فكان أبو عمرو بن العلاء يتحرى الدقة فيما يحتج به من شعر العرب، حتى إن تلميذه الأصمعي يروي أنه جلس إلى شيخه عشر حجج لم يسمعه يحتج خلالها ببيت إسلامي قط، لا كراهة في الإسلام والمسلمين بداهة، بل خوفا على قضايا اللغة من ألسنة أصابها شيء من الليونة واللحن بعد اختلاط العرب بأبناء الأمصار المفتوحة، وثقة في صلاحية الشعر الجاهلي للاحتجاج.. قد يكون أبو عمرو مغاليا في الثقة بالشعر الجاهلي والتقليل من صلاحية الشعر الإسلامي للاحتجاج، ولكنه كان رائدا يضع قواعد الاحتجاج ولابد له أن يصطنع الصرامة ويتحلى بالدقة المتناهية لتثبيت قواعد المنهج.
ولعلماء العرب التراثيين أكبر الفضل في وضع علم الجرح والتعديل الذي يعد بكل المقاييس من مفاخرنا التراثية..
وفي القرن الثالث الهجري كان الجاحظ يضع اللبنات الأولى للتأليف الموسوعي عند العرب من خلال كتبه وفي المقدمة منها كتابا: الحيوان والبيان والتبيين.
وقبل الفرنسيين: هيبوليت تين، وبرونتيير، وسانت بيف، كان محمد بن سلام الجمحي يلفت الأنظار إلى أن عدي بن زيد العبادي لما أقام في الحيرة لان لسانه وسهل منطقه، وأثار ابن سلام- قبل أن يولد الفيلسوف الفرنسي ديكارت- ظلالا من الشك حول ما يشوب شعر حسان بن ثابت من زيف وانتحال ، وينبه الأذهان لا إلى الوضاعين من رواة الشعر فحسب، بل إلى ما في شعر العرب مما هو منتحل، لا حجة في عربيته، ولا أدب يستفاد..وكان يسوق روايات تؤكد ضرورة إيلاء كل أمر إلى أهله العارفين بأسراره؛ فرواية الشعر غير رواية التاريخ، ونقد الشعر ليس مباحا لكل من هب ودب، بل هو عمل النقاد الذين يستطيعون -كصيارفة النقود- أن يميزوا صحيحه من زائفه وجيده من رديئه.
إن حاجتنا إلى استعادة الماضي أمس ما تكون اليوم ، لا لكي نتعبد به، بل لكي لا نتماهى مع الوافد، ونظن أننا أمة فقيرة فكريا ولا سبيل لها سوى استيراد فكر الآخر..

أوبرا مصر – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى